للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَرَجَ بَعْضُ الزُّهَّادِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي هَيْئَةٍ رَثَّةٍ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ النَّاسُ مُتَزَيِّنُونَ؟ فَقَالَ: مَا يُتَزَيَّنُ لِلَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ طَاعَتِهِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا اسْتِكْثَارَ مَنْ لاَ يَنْهَضُ بِدَوَامِهَا، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى اتِّصَالِهَا. فَهَذَا رُبَّمَا كَانَ بِالْمُقَصِّرِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الاسْتِكْثَارَ مِنْ الزِّيَادَةِ إمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ أَدَاءِ اللاَزِمِ فَلاَ يَكُونُ إلا تَقْصِيرًا؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِزِيَادَةٍ أَحْدَثَتْ نَقْصًا، وَبِنَفْلٍ مَنَعَ فَرْضًا. وَإِمَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْ اسْتِدَامَةِ الزِّيَادَةِ وَيَمْنَعَ مِنْ مُلاَزَمَةِ الاسْتِكْثَارِ مِنْ غَيْرِ إخْلاَلٍ بِلاَزِمٍ وَلاَ تَقْصِيرٍ فِي فَرْضٍ. فَهِيَ إذًا قَصِيرَةُ الْمَدَى قَلِيلَةُ اللُّبْثِ، وَالْقَلِيلُ الْعَمَلِ فِي طَوِيلِ الزَّمَانِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تعالى مِنْ كَثِيرِ الْعَمَلِ فِي قَصِيرِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَكْثِرَ مِنْ الْعَمَلِ فِي الزَّمَانِ الْقَصِيرِ قَدْ يَعْمَلُ زَمَانًا وَيَتْرُكُ زَمَانًا فَرُبَّمَا صَارَ فِي زَمَانِ تَرْكِهِ لاَهِيًا أَوْ سَاهِيًا. وَالْمُقَلِّلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ مُسْتَيْقِظُ الأفْكَارِ، مُسْتَدِيمُ التَّذْكَارِ، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لكل عمل شِرَّة ولكل شرةٍ فَتْرَة فمن كانت فَتْرَتُه إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فَتْرَتُه إلى غير ذلك فقد هلك.

فَجَعَلَ الاسْلاَمَ شِرَّةً وَهِيَ الإيغَالُ فِي الإكْثَارِ، وَجَعَلَ لِلشِّرَّةِ فَتْرَةً وَهِيَ الإهْمَالُ بَعْدَ الاسْتِكْثَارِ. فَلَمْ يَخْلُ بِمَا أَثْبَتَ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَقْصِيرًا أَوْ إخْلالا وَلاَ خَيْرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

[الباب الرابع أدب الدنيا]

[*] (عناصر الباب:

(حقيقة الدنيا:

(التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها:

(ذم الدنيا:

(أمرُ الدّنيا في جنب الآخرة قليل:

<<  <  ج: ص:  >  >>