للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حديث ربيعة الأسلمي رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: كنت أخدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... وذكر حديثاً ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاني بعد ذلك أرضا وأعطى أبوكر أرضاً وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدِّي، وقال أبوكر، هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال أبو بكر كلمة كرهها وندم فقال لي: يا ربيعة رد عليها مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض (١)، وأنطلق أبو بكر - رضي الله عنه - إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وانطلقت أتلوه، فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قد قال لك ما قال، قلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني أثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة، قال: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: فانطلق أبو بكر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتبعته وحدي حتى أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليّ رأسه فقال: يا ربيعة ما لك وللصديق؟ قلت: يا رسول الله كان كذا كان كذا، قال لي كلمة كرهها فقال: قل لي كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر. قال الحسن (البصري): فولىَّ أبو بكر - رضي الله عنه - وهو يبكي.

{تنبيه}: لله درُّ أبي بكر ٍ الصديق رضي الله تعالى عنه: أي وجدان هذا الوجدان، وأي نفس تلك النفس، بادرة بدرت منها لمسلم فلم ترض إلا اقتصاصه منها، وصفحه عنها، تناهيا بالفضيلة، واستمساكاً بالأدب وشعوراً تمكن من الجوانح، وأخذ بمجامع القلوب، فكانت عنده زلة اللسان ولو صغيرة ألما يتململ منه الضمير فلا يستريح إلا بالقصاص منه، ورضا ذلك المسلم عنه).


(١) أي فارق أبوبكر الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>