قال أبي: فلما صرنا إلى الشط أخرجت من الزورق فجعلت أكاد أخر علي وجهي حتى انتهي بي إلى الدار، فأدخلت ثم عرج بي إلى الحجرة فصيرت في بيت منها وأغلق علي الباب وأقعد عليه رجل، وذلك في جوف الليل، وليس في البيت سراج. فاحتجت إلى الوضوء فمددت يدي أطلب شيئاً فإذا أنا بإناء فيه ماء وطشت فتهيأت للصلاة وقمت أصلي، فلما أصبحت جاءني الرسول فأخذ بيدي وأدخلني الدار وإذا هو جالس وابن أبي دؤاد حاضر، قد جمع أصحابه والدار غاصة بأهلها، فلما دنوت سلمت فقال لي: ادن، فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال لي: اجلس، فجلست وقد أثقلتني الأقياد، فلما مكثت هنيهة قلت: تأذن في الكلام؟ فقال: تكلم، فقلت: إلى ما دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قال: قلت أنا أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قلت له: إن جدك ابن عباس يحكي أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالإيمان بالله، قال: أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من الغنم.
قال أبو الفضل: حدثناه أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو حمزة قال: قال: سمعت ابن عباس قال: إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالإيمان بالله فذكر الحديث. قال أبو الفضل قال أبي: فقال لي عند ذلك لولا أن وجدتك في يد من كان قبلي ما تعرضت لك، ثم التفت إلى عبد الرحمن بن إسحاق فقال له: يا عبد الرحمن، ألم آمرك أن ترفع المحنة،
قال أبي: فقلت في نفسي: الله أكبر، إن في هذا فرجاً للمسلمين. قال: ثم قال: ناظروه وكلموه، ثم قال: يا عبد الرحمن كلمه، فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ قال: قلت ما تقول في علم الله. فسكت.