قال أبي: فنودي بصلاة الظهر فصلينا الظهر، قال ابن سماعة صليت والدم يسيل من ضربك. فقلت: قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً فسكت ثم خلى عنه ووجه إليه برجل ممن يبصر الضرب والجراحات ليعالج فيها، فنظر إليه فقال لنا: والله لقد رأيت من ضرب ألف سوط ما رأيت ضرباً أشد من هذا، لقد جر عليه من خلفه ومن قدامه ثم أدخل ميلا في بعض تلك الجراحات، وقال: لم يثعب فجعل يأتيه ويعالجه وقد كان أصاب وجهه غير ضربة ثم مكث يعالجه ما شاء الله ثم قال: إن هاهنا شيئاً أريد أن أقطعه، فجاء بحديدة فجعل يعلق اللحم بها ويقطعه بسكين معه وهو صابر لذلك يحمد الله في ذلك فبرأه منه ولم يزل يتوجع من مواضع منه، وكان أثر الضرب بيناً في ظهره إلى أن توفي رحمه الله.
قال أبو الفضل: سمعت أبي يقول: والله لقد أعطت المجهود من نفسي ولوددت إن أنجو من هذا الأمر كفافاً لا علي ولا لي،
قال أبو الفضل: فأخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه وقد كان هذا الرجل ـ يعني صاحب الشافعي ـ صاحب حديث قد سمع ونظر ثم جاءني بعد، فقال لي: يا ابن أخي رحمة الله على أبي عبد الله، والله ما رأيت أحداً يشبهه، قد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله أنت صائم وأنت في موضع مسغبة، ولقد عطش فقال لصاحب الشراب ناولني فناوله قدحاً فيه ماء وثلج فأخذه فنظر إليه هنيهة ثم رده عليه،
قال: فجعلت أعجب إليه من صبره على الجوع والعطش وما هو فيه من الهول، قال أبو الفضل: وكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاماً أو رغيفاً أو رغيفين في هذه الأيام فلم أقدر على ذلك وأخبرني رجل حضره، قال: تفقدته في هذه الأيام وهم يناظرونه ويكلمونه فما لحن في كلمة وما ظننت أن أحداً يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه.