[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن سماعة قال: حين دخل الجماعة لهم هذا أحمد بن حنبل وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره وقد خلى سبيله وها هو ذا فاخرج على فراس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس فصار إلى منزله ومعه السلطان والناس وهو منحن فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم فوقعت يدي على موضع الضرب فصاح فنحيت يدي فنزل متوكئا علي وأغلق الباب ودخلنا معه ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد ونزع ما كان خلع عليه فأمر به فبيع وتصدق بثمنه وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره وذلك أنه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه وبلغنا أن المعتصم ندم وأسقط في يده حتى صلح فكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا كل يوم يتعرف خبره حتى صح وبقيت إبهاماه منخلعتين يضربان عليه في البرد فيسخن له الماء، ولما أردنا علاجه خفنا أن يدس أحمد بن أبي داوود سماً إلى المعالج فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا وسمعته يقول كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا وقد جعلت أبا إسحاق يعني المعتصم في حل ورأيت الله يقول ^ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون ان يغفر الله لكم ^ وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر بالعفو في قصة مسطح قال أبو عبد الله وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك.
تحديد إقامة الإمام أحمد في عهد الواثق:
وتولى الواثق الحكم بعد المعتصم في ربيع الأول سبع وعشرين ومائتين ولم يتعرض للإمام، وقد رأى أن التعذيب لا يفيد فيمن كانت إرادته كالحديد، وعرف فيه أنه عن الحق لا ولن يحيد، ورأى أتباعه في مزيد، ولكنه كتب إلى محمد بن أبي الليث بامتحان الناس أجمعين، فلم يبق أحد فقيه ومحدث ولا مؤذن ولا معلم حتى أخذ بالمحنة، فهرب كثير من الناس وملئت السجون بمن أنكر المحنة، وأمر ابن أبي الليث أن يكتب على المساجد "لا إله إلا الله رب القرآن المخلوق"، فكتب ذلك على المساجد بفسطاط مصر، ومنع الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي من الجلوس في المساجد
وبعث إلى الإمام أحمد يحدد إقامته:"لا تساكني بأرض"، وقيل: أمره أن يخرج من بيته، ويظل الإمام أحمد متخفيا حتى مات الواثق، ووقاه الله شره، وأراه سبحانه ثمرة جهاده وصبره، فكرمه وأعلى ذكره، وخسف بأعدائه، وأذلهم وكان في ذلك عبرة.