[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الحسين بن محمد الخزاعي، عن رجل من ولد عثمان: أن عمر بن عبد العزيز، قال في بعض خطبه: إن لكل سفر زاداً لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرى التقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله من ثوابه وعقابه وترغبوا وترهبوا، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسى قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه، ولا يمسي بعد صباحه، ولربما كانت بين ذلك خطفات المنايا. فكم رأيت ورأيتم من كان بالدنيا مغتراً، وإنما تقر عين من وثق بالنجاة من عذاب الله، وإنما يفرح من أمن من أهوال يوم القيامة، فأما من لا يداوي كلماً إلا أصابه جرح في ناحية أخرى، أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي، وتظهر غيلتي، وتبدو مسكنتي في يوم فيه الغنى والفقر، والموازين منصوبة، ولقد عنيتم بأمر لو عنيت به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، ولو عنيت به الأرض لتشققت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وإنكم صائرون إلى إحداهما.
[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عمر بن محمد المكي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز فقال: إن الدنيا ليست بدار قراركم، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم عامر موثق عما قليل مخرب، وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما يحضركم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، إنما الدنيا كفيء ظلال قلص فذهب. بينا ابن آدم في الدنيا ينافس فيها وبها قرير العين إذ دعاه الله بقدره، ورماه بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه، إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنها تسر قليلاً، وتجر حزناً طويلاً.
[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة، وكان آخر خطبة خطبها، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه ليحكم بينكم ويفصل بينكم، وخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر الله اليوم وخافه وباع نافداً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان؟ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستصير من بعدكم للباقين، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.