للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الخبر يدل على أن شهرة أبي داود قد طبقت الآفاق، فالناس يعرفون له قدره وفضله وشهرته، وأحسّت الدولة بذلك فطلبت إليه أن يرحل إلى البصرة البلدة المنكوبة لتعود إليها الحياة ولتعمر من جديد. وفي هذا دلالة على طبيعة حضارتنا ومنزلة العلم والعلماء فيها، فإن سكنى مثل أبي داود فيها كان العلاج لردِّ العمران إلى بلد مخرّب مهجور. وهكذا فقد وفق الله أبا داود أن يكون شخصية علمية مرموقة في عصره كان لها أكبر الأثر على الناس في عصره والعصور التي تلت.

(٢) سعة علم أبي داود رحمه الله:

كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام، وكان من أوسع العلماء معرفة بحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفقهه وعلله ومتونه ورجاله.

ويبدو أن علماء عصره كانوا يعرفون مكانته العلمية الكبرى ويقدرونه حق قدره؛ يدل على ذلك عدد من الأخبار:

منها ما ذكروا من أنّ أحمد بن حنبل روى عنه حديثاً، وكان أبو داود شديد الاعتزاز به.

ومنها ما ذكروا من أن سهل بن عبد الله التستري جاء إلى أبي داود.

فقيل: يا أبا داود هذا سهل جاءك زائراً، فرحّب به وأجلّه.

فقال له سهل: يا أبا داود لي إليك حاجة.

قال: وما هي؟

قال: حتى تقول قد قضيتها مع الإمكان.

قال: قد قضيتها مع الإمكان.

قال: أخرج إلي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أقبله، فأخرج إليه لسانه فقبله.

وكان علمه متعدد الجوانب، فهو - مع تخصصه في الحديث - فقيه عظيم، وقد عدّه الشيخ أبو الحسن الشيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب أحمد بن حنبل، وكذا أبو يعلى في ((طبقات الحنابلة)) والعليمي في ((المنهج الأحمد)).

<<  <  ج: ص:  >  >>