والثاني: أنهم لم يشترطوا ما ترجمه البخاري ومسلم على ظهر كتابيهما من التسمية بالصحة، فإن البخاري قال: ما أخرجت في كتابي إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول. ومسلم قال: ليس كل حديث صحيح أودعته هذا الكتاب، وإنما أخرجت ما أجمعوا عليه. ومن بعدهم لم يقولوا ذلك، فإنهم كانوا يخرجون الشيء وضدَّه.
والثالث: أن يقال لقائل هذا الكلام: رأينا الفقهاء وسائر العلماء يوردون أدلة الخصم في كتبهم، مع علمهم أن ذلك ليس بدليل، فكان فعلهما ـ عني أبا داود والنسائي ـ هذا كفعل الفقهاء، والله أعلم.
[*] وقال الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة "(ص١٥٠) بعد أن ذكر مذهب من يخرج الصحيح: .. وهذا باب فيه غموض، وطريقه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم. ولنوضح ذلك بمثال، وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على طبقات خمس، ولكل طبقة منها مزية على التي تليها وتفاوت. فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو غاية مقصد البخاري والطبقة الثانية شاركت الأولى في العدالة، غير أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري، حتى كان فيهم من يُزامله في السفر ويُلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى، وهم شرط مسلم. والطبقة الثالثة: جماعة لزموا الزهري مثل أهل الطبقة الأولى، غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، وهو شرط أبي داود والنسائي.
[*] وقال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
قلت ـ أي الذهبي ـ: صدق، فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.
[*] وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ عنده حديث ابن لهيعة ترجمة يعنى عن قتيبة، عن ابن لهيعة قال: فما حدث بها.
[*] وقال حمزة بن يوسف السهمي: وسئل يعني الدارقطني إذا حدث أبو عبد الرحمن النسائي وابن خزيمة بحديث أيما تقدمه؟
فقال: أبو عبد الرحمن، فإنه لم يكن مثله ولا أقدم عليه أحدا، ولم يكن في الورع مثله لم يحدث بما حدث ابن لهيعة وكان عنده عاليا عن قتيبة.