للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان - رحمه الله - يلبي دعوة طلابه ومحبيه في حفلات الزواج الخاصة بهم، ولا يفوت الفرص في تلك المناسبات حتى يبدأ بإيضاح السنة ويحض عليها، ويحذر من البدعة والابتداع وهذا دأبه والغالب عليه في جميع أوقاته.

ومما تميز به شيخنا - رحمه الله - الزهد في هذه الدنيا، مع توفر أسبابها، وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية، وقدم عليها دار البقاء، لأنه علم أنها دار الفناء، متأسيا بزهد السلف الصالح - رحمهم الله.

فكان مثالا يحتذى به، وعلما يقتدى به، في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وفي تلك المناسبات كان يكثر من قوله: (اللهم لا تآخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون) فتراه يكره المدح والثناء كرها شديدا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا.

قصة الورقة الضائعة (١):

قال الشيخ - رحمه الله - في مقدمة (فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث):

" لم يكن ليخطر في بالي وضع مثل هذا الفهرس، لأنه ليس من اختصاصي، وليس عندي متسع من الوقت ليساعدني عليه، ولكن الله تبارك وتعالى إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فقد ابتليت بمرض خفيف أصاب بصري، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فنصحني الطبيب المختص بالراحة، وترك القراءة والكتابة والعمل في المهنة (تصليح الساعات) مقدار ستة أشهر.

فعملت بنصيحته أول الأمر، فتركت ذلك كله نحو أسبوعين ثم أخذت نفسي تراودني، وتزيّن لي أن أعمل شيئاً في هذه العطلة المملة، عملاً لا ينافي - بزعمي - نصيحته، فتذكرت رسالة مخطوطة في المكتبة، اسمها " ذم الملاهي " للحافظ ابن أبي الدنيا، لم تطبع فيما اعلم يومئذ.

فقلت: ما المانع من أن أكلف من ينسخها لي؟ ‍وحتى يتم نسخها .. يكون قد مضى زمن لا بأس به من الراحة، فبإمكاني يومئذ مقابلتها بالأصل، حيث أنها لا تستدعي جهداً ينافي الوضع الصحي الذي أنا فيه، ثم أحققها بعد ذلك على مهل، وأخرج أحاديثها، ثم نطبعها، وكل ذلك على فترات، ولكيلا اشق على نفسي!!


(١) أخذت هذه القصة من كتاب " محدث العصر الألباني " بقلم: سمير بن أمين الزهيري - بشيء من الاختصار والتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>