للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من أروع الحِكَم التي استحوذت على قلبي، قول الخليفة الراشد الفاروق عمر " لا تهرف بما لا تعرف " نعم إنه لقول بليغ، إن دلّ على شيء فإنما يدل على حرص ودقة الشهادة والتعريف بالغير، ومن هنا كان لا بدّ أن أذكر ما يجهله الكثير ممن يحقدون على هذه الدعوة المباركة، وعلمائها وطلابها.

فالناظر في حياة الشيخ الألباني - رحمه الله - يدرك حقيقة ذلك الرجل الذي وهبه الله لهذه الأمة في هذا الوقت بذات ليحيي سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، ويسير على نهج السلف - رضوان الله عليهم.

وسأذكر بعض الأمثلة لا الحسر، على حرص الشيخ - رحمه الله - في طلب العلم وتبليغه وبيان الحق، وإظهار الحقيقة للأمة عامة، وطلاب العلم خاصة.

ففي أوائل ١٩٦٠م كان الشيخ يقع تحت مرصد الحكومة السورية، مع العلم أنه كان بعيداً عن السياسة، و قد سبب ذلك نوعاً من الإعاقة له. فقد تعرض للاعتقال مرتين، الأولى كانت قبل ٦٧ حيث اعتقل وسجن في سجن القلعة بدمشق وهي نفس القلعة التي اعتقل فيها شيخ الإسلام (ابن تيمية) وعندما قامت حرب ٦٧ رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين.

ولكن بعدما اشتدت الحرب عاد الشيخ إلى المعتقل مرة ثانية، و لكن هذه المرة ليس في سجن القلعة، بل في سجن الحسكة شمال شرق دمشق، و قد قضى فيه الشيخ ثمانية أشهر، و خلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري و اجتمع مع شخصيات كبيرة في المعتقل (١). ومن المواقف التي تدل على حرصِه:


(١) يقول الشيخ الألباني- رحمه الله - كما جاء في كتاب محدث العصر الألباني - للشيخ سمير أمين الزهيري: (قدر الله عليّ أن أسجن في عام ١٣٨٩هـ الموافقة لسنة ١٩٦٩م مع عدد من العلماء من غير جريرة اقترفناها سوى الدعوة الى الإسلام، وتعليمه الناس، فأساق إلى سجن القلعة وغيره في دمشق، ثم أفرج عني بعد مدّةٍ لأساق مرة ثانية، وأنفى إلى الجزيرة لأقضي في سجنها بضعة أشهر أحتسبها في سبيل الله عز وجل.
وقد قدّر الله أن لا يكون معي فيه إلا كتابي المحبب " صحيح الإمام مسلم " وقلم رصاص، وممحاة!!
وهناك اعتكفت على تحقيق أمنيتي في اختصاره وتهذيبه، وفرغت من ذلك في نحو ثلاثة أشهر، كنت اعمل فيه ليل نهار، ودون كللٍ ولا مللٍ، وبذلك انقلبَ ما أراده أعداء الأمة انتقاماً منا إلى نعمةٍ لنا، يتفيأ ظلالها طلاب العلم من المسلمين في كل مكان. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

<<  <  ج: ص:  >  >>