للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تالله لقد طال المدى فأَين المدامع، أَين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى منازع، رمتهم المنايا بسهامها في القوى والقواطع فعلموا أن أيام النعم في زمان الخوادع ما زال الموت يدور على الدوام حتى طوي الطوالع، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع، ولقوا والله غاية البلاء في تلك البلاقع، جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا، وبنوا مساكنهم فما سكنوا فكأَنهم بها ظعناً لما استراحوا ساعة ظعنوا، لقد أُمكنتَ الفرصة أيها العاجز ولقد زال القاطع، وارتفع الحاجز ولاح نور الهدى فالمجيب فائز، وتعاظمت الرغائب وتفاقمت الجوائر فأَين الهمم العالية وأَين النجائز، أَما تخافون هادم اللذات والمنى والمناجز، أما اعوجاج القناة دليل الغامز، أما الطريق طويل وفيه المفاوز، أما عقاب العتاب تحوى الهزاهز، أَما القبور قنطرة العبور فما للمجاوز، أما يكفي في التنقيص حمل الجنائز، أَما العدد كثير فأَين المبارز، أما الحرب صعب والهلك ناجز، والقنا مسوغ والطعن واجز والأمر عزيز والرماح البوس نواكز، تالله بطلت الشجاعة من بني العجائز وتريد إِصلاح نادك والأمر ناشز، إِن لم يكن سبق الصديق فليكن توبة ماعز ٠

(أخي الحبيب:

أفق من نومك وانتبه من غفلتك: قبل أن يفاجئك هاذم اللذات ومُفَرِّق الجماعات وميتم البنين والبنات، فلا تقدلا على استدراك ما فات، فورب السموات والأرض إن ما توعدون لات.

(عجبت لمن كان الموت يطلبه كيف يقرُّ له قرار، وكيف يملأ عينيه بالنوم وهو لا يدري أيساق إلى جنة أم إلى نار

- البقاء في الدنيا مستحيل لابد من الرحيل فتزود للسفر الطويل لابد من الإرتحال ليومٍ شديد الأهوال فأعدَّ له صالح الأعمال قبل طي الآجال

(العمر قصير ولم يبق منه إلا اليسير، فتزود للسفر الطويل، ولا تقل بغير تفكير ولا تعمل بغير تدبير، ولا يشغلنك أحدٌ عن جد المسير، ولا تضيع الأوقات النفيسة في الفعال الخسيسة، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة فَرَوِّضْهَا القناعة.

(أو ما علمت أن معالي الأُمور لا تنال بالفتور، وإنما تنال بالجد والاجتهاد والتشمرِ ليومِ المعاد، وخلعِ الراحة واستفراغ الوسع في الطاعة، أو ما علمت أن من جد وجد ومن زرع حصد، وليس من سهر كمن رقد والأمور تحتاج إلى وثبة أسد، فإذا عزمت فبادر وإذا هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من كان في الصف الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>