(أخي الحبيب: تذكر أن الله شديد العقاب، وأنه عزيز ذو انتقام، ولا يُرد بأسه عن القوم المجرمين، وأنه يغار إذا انتهكت محارمه، وما أهلك الأمم السابقة إلا أنهم تعدوا حدود الله وانتهكوا حرماته وبارزوه بالمعاصي، وما من مصيبة تُلم بالعبد ولا عقوبة تقع عليه إلا بسبب بعض ذنوبه ومعاصيه ولو يؤاخذ الله العبد بكل سيئاته قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَىَ أَجَلٍ مّسَمّىَ)[النحل:٦١] ولكنه سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة .. وما أكثر أولئك الذين اعتمدوا على رحمة الله تعالى وعفوه وكرمه وجوده فضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه، ونسوا أنه أيضاً شديد العقاب، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند، لأن حسن الظن بالله ورجاء العفو والمغفرة تنفع من تاب وندم وأقلع عن الذنب وبدل السيئة بالحسنة، أما من يرجو رحمة الله وهو لا يطيعه ولا يمتثل أمره فهذا من الخذلان والحمق، فمن زرع الشوك لا يجني عنباً.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس
وإن من أعظم الاغترار طلب دار المتقين المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، ويستحيل في حق الله العادل أن يساوي بين البَر والفاجر وبين المُحسن والمسيء قال تعالى: أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:٢١] وقال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:٢٨]
(أخي الحبيب: تذكر يوم تشهد عليك الشهود وتفضحك فيه الجوارح والجلود! فأين يكون مهربك وإلى أين يكون الملجأ؟ والشهود منك والشهادة عليك، فتأمل يا مسكين!! تعصي الله بها ومن أجلها وتذود عنها، ثم تأتي يوم القيامة تشهد عليك! وتذكر أيضاً المكان الذي عصيت الله فيه يأتي يوم القيامة شاهداً عليك، وتذكر أن الزمان شاهدٌ عليك! وتذكر أن الله أرصد لك وبك ملائكة كراماً يرونك من حيث لا تراهم ويعملون ما تقول وما تفعل، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:١٢] ويوم القيامة يشهدون عليك، فأين المهرب من كل هؤلاء الشهود؟!