للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقصير عند السلف من أصحاب النفوس العالية ليس ترك واجب أو فعل محرم، لكن تقصير في واجب و مستحب، أي فوات طاعة مثلاً أو أذكار وأوراد، والمعاقبة بأن يضاعف الأذكار والأوراد.

والنفس لا تستقيم إلا أن تُجَاهد وتُحَاسَب و تُعَاقَب .. ، ومما يعين على معاقبة النفس أو إرغام النفس على استدراك النقص؛ التأمُّل في أخبار المجتهدين. وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين و من قام بمائة آية كتب من القانتين و من قام بألف آية كتب من المقنطرين.

ومن تأمل في حال السلف وماذا كانوا يفعلون مع ندرة النماذج هذه في هذا الزمان لعله يقود إلى معاقبة النفس بإلزامها بمزيد من العبادات والمستحبات إذا قصّرت ..

[*] قالت امرأة مسروق: ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة، والله إن كنت لأجلس خلفه فأبكي رحمة له.

[*] وقال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً، الظمأ لله بالهواجر، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.

[*] وأم الربيع كانت تشفق على ولدها من كثرة بكائه وسهره في العبادة فنادته (يا بني لعلك قتلت قتيلاً) قال (نعم يا أماه) قال (فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك، فو الله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك) قال (يا أماه .. هي نفسي!!).

[*] قال القاسم بن محمد: غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلم عليها، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلّي الضحى وهي تقرأ (فمن ّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) وتبكي وتدعو وتردد الآية وقمت حتى مللت وهي كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فلما فرغت من حاجتي رجعت إليها فوجدتها كما هي ففرغت ورجعت وهي تردد الآية وتبكي وتدعو!

هذه القلوب، سريعة الذنوب، لابد من قرعها ومطالعة ما فيها،

(ومن قواعد المحاسبة توبيخ النفس: لأنها مادامت أمارة بالسوء فتحتاج إلى شدة وتوبيخ والله أمر بتزكيتها وتقويمها، فهي تحتاج إلى سلاسل ولا تنقاد إلا بسلاسل القهر إلى العبادة ولا تمتنع عن الشهوات إلا بهذه السلاسل ولا تنفطم عن اللذات إلا بهذا الحزم معها، فإن أهملت نفسك جمحت وشردت وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت هي النفس اللوامة ويُرجى أن ترتقي بعد ذلك إلى النفس المطمئنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>