فلذلك محاسبة العلماء لأنفسهم وطلبة العلم ينبغي أن تكون أشد ما تكون لأنه إن حاسب نفسه انتفع ونفع الناس وإذا ترك محاسبة نفسه ضلّ وأضلّ، الجاهل لا يقتدي به أحد، لكن هذا الذي ينصب نفسه قدوة في الدعوة والعلم ثم لا يحاسب نفسه يُهلك .. !
أيها العالم إياك الزلل ... واحذر الهفوةَ والخطبَ الجلل
هفوة العالم مستعظمة ... إذ بها أصبح في الخلق مثل!
وعلى زلّته عمدتهم ... فبها يحتج بها من أخطأ وزلّ
لاتقل يستر عليّ العلم زلّتي ... بل بها يحصل في العلم خلل
إن تكن عندك مستحقرة ... فهي عند الله والناس جبل
ليس من يتبعه العلم في ... كل ما دقّ من الأمر وجلّ
مثل من يدفع عنه جهله ... إن أتى فاحشة قيل قد جهل
انظر الأنجم مهما سقطت ... من رآها وهي تهوي لم يُبل
فإذا الشمس بدت كاسفة ... وَجِل الخلق لها كل الوجل
وتراءت نحوها أبصارهم ... في انزعاجٍ واضطرابٍ ووجل
وسرى النقص لهم من نقصها ... فغدت مظلمة منها السُبُل
وكذا العالِم في زلّته ... يفتن العالم طُرّاً و يُضِلّ!
فنحن نرى الآن نماذج كثيرة من إضلال بعض هؤلاء في الفتاوى المتساهلة لأنهم لا يحاسبون أنفسهم وبالتالي يقعون في المزالق وما استقطبهم أهل الشر إليه من الأفخاخ التي نصبوها لهم فقعوا فيها وجاملوا على حساب الدين ..
فينبغي على كل الناس أن يحاسبوا أنفسهم الذين عندهم علم والذين ليس لديهم علم، فالذي لديه علم يحاسب نفسه هل عمل به؟ وهل هو يقوم به لله؟ وهل يبلغه؟ أم يكتمه؟ وهل هو مقصّر فيه؟ وهل عبد ربه به؟ وهل بذله للناس صحيحاً أم راعة أهواء بعض القوم فسهّل لهم أشياء بزعمه؟، أما صاحب الجهل فيحاسب نفسه، كيف يعبد الله على جهل؟ متى يزيل الجهل؟ كيف يزيله؟ إلى متى يبقى؟ كيف يتعلم؟ وبماذا يبدأ .... وهكذا ..
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو العبد إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع الابتلاء والمحنة ..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلاماً مشهوراً محذراً من الإهمال في محاسبة النفس وأنه يقود إلى الهلاك يوم القيامة: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم (أعمالكم) قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم]، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من نوقش الحساب عُذِّب))، فكيف يتلافى المرء مناقشة الحساب غداً؟!!، بمحاسبة النفس اليوم.