[*] ولما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
[*] وقد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب، أما أفضلهم على جهة العموم والجملة فأويس القرني، وكان أويس يقول: توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم،
[*] وقال الفضيل: حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا.
[*] وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
[*] قال مالك بن دينار: يقولون: مالك زاهد. أي زهد عند مالك، وله جبة وكساء. إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فتركها.
[*] وصية إمام الزاهدين إبراهيم بن أدهم:
قيل لسلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم {أوصنا بما ينفعنا فقال:
* إذا رأيتم الناس مشغولين بامر الدنيا فاشتغلوا بأمر الآخرة.
* وإذا اشتغلوا بتزيين ظواهرهم فاشتغلوا بتزيين بواطنكم.
* وإذا اشتغلوا بعمارة البساتين والقصور فاشتغلوا بعمارة القبور.
* وإذا اشتغلوا بخدمة المخلوقين فاشتغلوا بخدمة رب العالمين.
* و إذا اشتغلوا بعيوب الناس فاشتغلوا بعيوب أنفسكم.
* واتخذوا من الدنيا زادا يوصلكم الى الآخرة فإنما الدنيا مزرعة الآخرة.
[*] وكان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال، فيقولون: لا نأخذه، نخاف أن يفسد علينا ديننا.
[*] وكان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته وكسب حبتين قام.
[*] وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت، وخلف أربعمائة دينار، وقال: إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني.
[*] وقال سفيان الثورى: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة.
وقال أيضا ً: إذا زهد العبد في الدنيا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها.
وقال أيضا ً: عليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا، وعليك بالورع يخفف الله عنك حسابك، ودع ما يريبك إلى مالا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك.
وقال أيضا ً: لا تصلح القراءة إلا بالزهد، واغبط الأحياء بما تغبط به الأموات، أحبهم على قدر أعمالهم، وذل عند الطاعة، واستعص عند المعصية.
وقال أيضا ً: لا يكون للقراءة ملح حتى يكون معها زهد.