للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن شقيق بن إبراهيم قال: عشرة أبواب من الزهد يسمى الرجل فيها زاهدا إذا فعلها، فإذا خالفها سمى متزهدا، والمتزهد الذي يتشبه بالزهاد في رؤيته وسمعته وخشوعه وقوله، ومدخله ومخرجه، ومطعمه وملبسه، ومركبه، وفعله وحرصه، وحب الدنيا يشهد عليه بخلافه، ترى رضاه رضا الراغبين، وبساطه في كلامه وعجلته بساط الراغبين، وحسده وبغيه وتطاوله وكبره وفخره وسوء خلقه وحفا لسانه وطول خوضه فيما لا يعنيه يدل على نفاق المتزهد، لا على خشوع الزاهد، فاحذر من هذه الصفة، وإذا وجدت فيمن يزعم أنه زاهد الخصال التي أصفها لك فارج له أن يكون في بعض طريق الزهاد، إذا أسرته حسنة وساءته سيئة، وكره أن يحمد بما لم يفعل من البر، فأما إذا لم يفعل يكره هذه كما يكره لحم الخنزير والميتة والدم، وإذا عرف هذه الخصال صرف فيها نهاره وساعاته وليلته وساعاتها، نقص أمله وطال غمه بما أمامه، فإذا شغل نفسه بغير ما خلق له طال حزنه، وعلم أنه مفتون وترك من شغله عن الطاعة في تلك الساعة، فبهذا يجدون حلاوة الزهد، وبه يحترزون من حزب الشيطان، وإن ذكر الله عندهم أحلى من العسل، وأبرد من البرد وأشفى من الماء العذب الصافي عند العطشان في اليوم الصائف، وتكون مجالستهم مع من يصف لهم بالزهاد ويعظهم أحب إليهم وأشهى عندهم ممن يعطيهم الدنانير والدراهم عند الحاجة وذلك بقلوبهم لا بألسنتهم، وأن يخلو أحدهم بالبكاء على ذنوبه وعلى الخوف الشديد أن لا يقبل منه ما يعمل، ويظهر للناس من التبسم والنشاط كأنه ذو رغبة لا ذو رهبة، وأن لا يحدث نفسه أنه خير من أحد من أهل قبلته: وأن يعرف ذنوبه ولا يعرف ذنوب غيره، فإذا كانت فيه هذه الأبواب العشرة كان في طريق الزهاد، فأرجو أن يسلكه إن شاء الله، وسبعة أبواب تتلو هذه الأبواب، التواضع لله بالقلب لا بالتصنع، والخضوع للحق طوعا لا بالاضطرار، وحسن المعاشرة مع من ابتلى بمعاشرتهم لا لرغبة فيما عندهم، والهرب من المنكبين على الدنيا كهرب الحمار من البيطار والنفور عنها كنفور الحمار من زئير السبع، وطلب العافيه من كل ما يخاف عقابه ولا يرجو ثوابه، ومجالسة البكائين على الذنوب، والرحمة لنفسه ولأنفسهم، ومخاطبة العالمين بظاهره لا بقلبه، ولا يتخوف من الكائن بعد الموت والأهوال والشدائد، فإذا فعل ذلك سلك طريق الزهاد ونال أفضل العبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>