إن الله سبحانه وتعالى خلق بني آدم للبقاء لا للفناء، وإنما ينقلهم بعد خلقهم من دار إلى دار، كما قال ذلك طائفة من السلف الأخيار، منهم بلال بن سعد، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، فأسكنهما في هذه الدار، ليبلوهم أيُّهم أحسن عملاً، ثم ينقلهم إلى دار البرزخ فيحبسهم هنالك إلى أن يجمعهم يوم القيامة ويجزي كل عاملٍ جزاء عمله مفصّلاً هذا مع أنهم في دار البرزخ بأعمالهم مدانون مكافئون، فمكرَّمون بإحسانهم وبإساءتهم مهانون، قال تعالى: (وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: ١٠٠]
قال مجاهد: البرزخ الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا، وعنه قال: هو ما بين الموت إلى البعث،
قال الحسن: هي هذه القبور التي بينكم وبين الآخرة، وعنه قال أبو هريرة: هي هذه القبور التي تركضون عليها لا يسمعون الصوت ,
وقال عطاء الخرساني: البرزخ مدة ما بين الدنيا والآخرة , وصلى أبو أمامة على جنازة فلما وضعت في لحدها , قال أبوأمامة: هذا برزخ إلى يوم يبعثون.
وقيل للشَّعبي مات فلان قال: ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة هو في برزخ، وسمع رجلا يقول: مات فلان أصبح من أهل الآخرة. قال: لا تقل من أهل الآخرة! ولكن قل من أهل القبور.
(هول القبور:
(أخي الحبيب:
أما تفكرت في حال من مات ونُقِلَ من القصورِ إلى ظلمة القبور وما فيها من الدواهي والأمور تحت الجنادل والصخور .. ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود .. ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان .. ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوبيل؟ فأخذهم الموت على غرة، وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة، وتساووا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة.
(ولله درُ من قال:
أتيت القبور فناديتها ... أين المعظم والمحتقر؟!
وأين المذل بسلطانه ... وأين القوي على ما قدر؟!
تفانوا جميعاً فما مخبر ... وماتوا جميعاً ومات الخبر!!
فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما مضى معتبر؟!
تروح وتغدو بنات الثرى ... فتمحو محاسن تلك الصور!
(أخي الحبيب:
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك؟ أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي ... يوماَ فقارققني السكون
القبر أول ليلة ... بالله قل لي ما يكون؟!