تفكر في الذين رحلوا .. أين نزلوا؟ وتذكر القوم نوقشوا وسئلوا .. ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .. ولكن هيهات هيهات وقد قبروا.
أما اعتبرت بمن رحل، أما وعظتك العبر، أما كان لك سمعٌ ولا بصر.
(أخي الحبيب:
القبر أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه وقوضنا أركانه وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال: فلان مات.
وأنت إذا أمعنت النظر في كل شيء لن تجد أفظع من القبر وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث هانىء مولى عثمان رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال: كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما رأيت منظراً قطُّ إلا والقبر أفظع منه ".
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ) وَمِنْهَا عُرْضَةُ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الْعَرْضِ, وَمِنْهَا الْوُقُوفُ عِنْدَ الْمِيزَانِ, وَمِنْهَا الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ, وَمِنْهَا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ, وَآخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا وَلِذَا يُسَمَّى الْبَرْزَخُ
(فَإِنْ نَجَا) أَيْ خُلِّصَ الْمَقْبُورُ
(مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
(فَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنَ الْمَنَازِلِ
(أَيْسَرُ مِنْهُ) أَيْ أَسْهَلُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكُفِّرَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ
(وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ ذُنُوبَهُ بِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِهِ
(فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالْقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ
(قَالَ) أَيْ عُثْمَانُ - رضي الله عنه -.