للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام! إلا أفراد من العباد فوا عجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قَرَّ للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين، وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين.

ثم ذكر الإمام ابن القيم أروع قصيدةٍ في وصف الجنة:

وما ذاك إلا غيرة أن ينالها ... سوى كفئها والرب بالخلق أعلم

وإن حجبت عنا بكل كريهة ... وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم

فلله ما في حشوها من مسرة ... وأصناف لذات بها يتنعم

ولله برد العيش بين خيامها ... وروضاتها والثغر في الروض يبسم

ولله واديها الذي هو موعد أل ... مزيد لوفد الحب لو كنت منهم

بذيالك الوادى يهيم صبابة ... محب يرى أن الصبابة مغنم

ولله أفراح المحبين عندما ... يخاطبهم من فوقهم ويسلم

ولله أبصار تري الله جهرة ... فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم

فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ... أمن بعدها يسلو المحب المتيم

ولله كم من خيرة إن تبسمت ... أضاء لها نور من الفجر أعظم

فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ... ويا لذة الأسماع حين تكلم

ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ... ويا خجلة الفجرين حين تبسم

فإن كنت ذا قلب عليل بحبها ... فلم يبق إلا وصلها لك مرهم

ولا سيما في لثمها عند ضمها ... وقد صار منها تحت جيدك معصم

تراه إذا أبدت له حسن وجهها ... يلذ به قبل الوصال وينعم

تفكه منها العين عند اجتلائها ... فواكه شتى طلعها ليس يعدم

عناقيد من كرم وتفاح جنة ... ورمان أغصان به القلب مغرم

وللورد ما قد ألبسته خدودها ... وللخمر ما قد ضمه الريق والفم

تقسم منها الحسن في جمع واحد ... فيا عجبا من واحد يتقسم

لها فرق شتى من الحسن أجمعت ... بجملتها إن السلو محرم

تذكر بالرحمن من هو ناظر ... فينطق بالتسبيح لا يتلعثم

إذا قابلت جيش الهموم بوجهها ... تولى على أعقابه الجيش يهزم

فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا ... فهذا زمان المهر فهو المقدم

ولما جرى ماء الشباب بغصنها ... تيقن حقاً أنه ليس يهرم

وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم

وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تايم

<<  <  ج: ص:  >  >>