للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون، فأما سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة وسيحان نهر إذنة وهما نهران عظيمان جدا أكبرهما جيحان فهذا هو الصواب في موضعها. وأما قول الجوهري في صحاحه جيحان نهر بالشام فغلط، أو أنه أراد المجاز من حيث أنه ببلاد الأرمن وهي مجاورة للشام، قال الحازمي: سيحان نهر عند المصيصة قال: وهو غير سيحون. وقال صاحب نهاية الغريب: سيحان وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس، واتفقوا كلهم على أن جيحون بالواو نهر وراء خراسان عند بلخ، واتفقوا على أنه غير جيحان، وكذلك سيحون غير سيحان. وأما قول القاضي عياض: هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار بلاد الإسلام فالنيل بمصر والفرات بالعراق وسيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون ببلاد خراسان، ففي كلامه إنكار من أوجه: أحدها: قوله الفرات بالعراق وليس بالعراق بل هو فاصل بين الشام والجزيرة. والثاني: قوله سيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون فجعل الأسماء مترادفة وليس كذلك، بل سيحان غير سيحون وجيحان غير جيحون باتفاق الناس كما سبق. الثالث: أنه ببلاد خراسان وأما سيحان وجيحان ببلاد الأرمن بقرب الشام والله أعلم.

وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض: أحدهما: أن الإيمان عم بلادها أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة. والثاني: وهو الأصح أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة والجنة مخلوقة موجودة اليوم عند أهل السنة، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء أن الفرات والنيل يخرجان من الجنة، وفي البخاري من أصل سدرة المنتهى.

{تنبيه}: (إن في الجنة أنهاراً من أصناف نَعْهدها فى الدنيا ولكنها ليست للإشباع أو الإرْواء أو للتّداوى, فأهل الجنة ليسوا في حاجة للغذاء من أجل النماء والقوّة, ولا يصيبهم العطش, إن الشراب لأهل الجنة للنعيم ثم النعيم، وإن المؤمن في جناته أنهاراً كثيرة منتشرة في أرجاء مملكته المتّسعة, وبكل أنواع الأشربة المعروفة في الدنيا خالية من آفاتها, وأنواع من الأشربة لا نعلمها ولا يمكن إدراكها ولو بالخيال, فبشرنا الله تعالى وشوّقنا إلى ـ أنهار ـ من كل نوع منها, لا نهر واحد, لذلك قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذكر الأنواع التي نعرفها: الماء, والعسل, واللبن, والخمر, قال:» ثم تشقّق الأنهار بعد».

<<  <  ج: ص:  >  >>