للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ: إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ (قَرِينٌ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ. وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ: هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟

وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً: هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً.

وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ: هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟

فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها. فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً: لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ.

وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ.

ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ: هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ، مُنعَّمُونَ فِيهَا، لاَ نَمُوتُ، وَلاَ تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟

وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ: لاَ. فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ: إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>