للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْنَى الآيةِ: إَّن الذِينَ تَحْضُرُهُمُ الوَفَاةُ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةِ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ، وَلاَ إِظْهَارَهَا (وَقَدْ عَدّ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ إلى دَارِ الأمْنِ وَالإسْلاَمِ)، فَتَسْألُهُمُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ: لِمَ لِبِثْتُمْ مُقِيمِينَ فِي أَرْضِ الكُفْرِ، وَتَرَكْتُمُ الهِجْرَةَ؟ فَيُجِيبُونَ: إِنَّهُم كُانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ، لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ، وَلا الذَّهَابِ فِي الأَرْضِ. فَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ: أَلَيْسَتْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إلى حَيْثُ الأَمْنِ وَالحُرِّيَّةُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى إِظْهَارِ الإِيمَانِ؟ وَيَقَولُ تَعَالَى: إنَّ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَسَاءَتْ مَصِيراً.

وَاسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ سُوءِ المَصِيرِ، الذِي يَنْتَظِرُ القَاعِدِينَ عَنِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ - وَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةَ شَعَائِرِ دِينِهِمِ - المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَيْدِي المُشْرِكِينَ، وَالذِينَ لَوْ قَدِرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ لَمَا اسْتَطَاعُوا الاهْتِدَاءَ إلى سُلُوكِ الطَّرِيق، وَإيجَادِ السَّبِيلِ، كَالعَجَزَةِ وَالمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالمُرَاهِقِينَ الذِين عَقَلُوا.

فَهَؤُلاءِ المَعْذُورُونَ قَدْ يَتَجَاوَزُ اللهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الكُفْرِ، وَاللهُ كَثيرُ العَفْوِ وَالغُفْرَانِ.

يُحَرِّضُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَلَى الهِجْرَةِ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي مُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ، وَيُعْلِمُهُمْ أنَّ المُؤْمِنِينَ حَيْثُمَا ذَهَبُوا وَجَدُوا أَمَاكِنَ أَمْنٍ يَلْجَؤُونَ إلَيهَا، وَيَتَحَصَّنُونَ بِها مِنَ المُشْرِكِينَ، وَيَتَحَرَّرُونَ فِيها مِنَ الأَعْدَاءِ، وَيُرَاغِمُونَهُمِ بِها، وَيَجِدُونَ سَعَةً فِي الرِّزْقِ. وَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الهِجْرَةِ فَيَلْقَى حَتْفَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ عِنْدَ اللهِ، مِثْلَ ثَوابِ مَنْ هَاجَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>