للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ إلَى شَرَفِ أَبِيهِمْ آدَمَ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لَهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ صَوَّرَهُ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ المَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآدَمَ، تَكْرِيماً وَتَعْظِيماً، فَسَجَدُوا إِطَاعَةً لأَمْرِ اللهِ، إلاَّ إِبْلِيسَ فَإِنَّهُ رَفَضَ السُّجُودَ، وَتَمَرَّدَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ. وَسَأَلَ اللهُ تَعَالَى إِبْلِيسَ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ بِالسُّجُودِ؟ فَرَدَّ عَلَى خَالِقِهِ قَائِلاً: إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ، لأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، وَآدَمُ مَخْلُوقٌ مِنْ طِينٍ، وَالنَّارُ أَفْضَلُ مِنَ الطِّينِ فِي رَأْيِ إِبْلِيسَ، لِذَلِكَ لَمْ يَسْجُدْ لآدَمَ، وَالأَفْضَلُ لاَ يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ. فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى إِبْلِيسَ بِأَنْ يَهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، لِعِصْيَانِهِ أَمَرَ رَبِّهِ، وَخُرُوجِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّرَ فِيهَا. ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالخُرُوجِ مِنَ الجَنَّةِ ذَلِيلاً حَقِيراً، بِسَبَبِ كُفْرِهِ وَتَمَرُّدِهِ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ. فَاسْتَدْرَكَ إِبْلِيسُ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُمْهِلَهُ وَلاَ يُمِيتَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليَوْمَ الذِي سَيَبْعَثُ فِيهِ اللهُ الخَلائِقَ لِلْحِسَابِ. وَقَدْ أَرَادَ إِبْلِيسُ بِذَلِكَ أَنْ يَجِدَ فُسْحَةً مِنَ الوَقْتِ لإِغْوَاءِ بَنِي آدَمَ وَإِضْلاَلِهِمْ. فَأَجَابَهُ اللهُ تَعَالَى إلَى سُؤَالِهِ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا إِرَادَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ التِي لاَ تُخَالَفُ وَلا تُعَارَضُ. وَقَدْ أَنْظَرَهُ اللهُ إلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>