للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا عَجَزَ رُؤُوسُ الكُفْرِ وَالضَّلاَلَةِ عَنْ مُقَارَعَةِ الحُجَّةِ بِالحُجَّةِ، عَمَدُوا إِلى تَهْدِيدِ الرُّسُلِ بِالنَّفْيِ وَالإِخْرَاجِ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، إِنْ لَمْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى الرُّسُلِ: أَنَّهُ تَعَالَى سَيُهْلِكُ هؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ الظَّالِمِينَ.

وَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى الرُّسُلِ: أَنَّهُ سَيُسْكِنُهُمْ أَرْضَ الكَافِرِينَ وَدِيَارَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذا جَزَاءٌ عَادِلٌ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وَخَافَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَمَا تَوَعَّدَهُ بِهِ مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ.

وَاسْتَنْصَرَ الرُّسُلُ بِرَبِّهِمْ عَلَى أَقْوَامِهِمْ، لَمَّا يَئِسُوا مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَطَلَبُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى النَّصْرَ عَلَى الكَافِرِينَ فَنَصَرَهُمُ اللهُ، فَرَبِحُوا، وَخَسِرَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، شَدِيدِ العِنَادِ لِلْحَقِّ.

(وَقِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ: أَنَّ الأُمَمَ اسْتَفْتَحَتْ عَلَى نَفْسِهَا، كَمَا قَالَ كُفَّارُ قُرَيشٍ: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.} اسْتَفْتَحُوا - اسْتَنْصَرَ الرُّسُلُ بِاللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

فَقَدْ حَلَّتِ الهَزِيمَةُ بِهَذَا الجَبَّارِ العَنِيدِ فِي الدُّنْيا، وَأَمَامَهُ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمُ تَنْتَظِرُهُ، فَهِيَ لَهُ بِالمِرْصَادِ، وَسَيَكُونُ خَالِداً فِيهَا، وَيُسْقَى فِي النَّارِ مِنَ الصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ المُحْتَرِقَيْن.

(وَوَرَاءُ، هُنا، مَعْنَاهَا أَمَامُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} أَيْ كَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ).

يَشْرَبُهُ قَسْراً وَقَهْراً، جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ، وَلاَ يَكَادُ يَبْتَلِعُهُ لِسُوءِ طَعْمِهِ، وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ، وَحَرَارَتِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ، وَيَأْتِيهِ العَذَابُ بِأَنْوَاعِهِ، لَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلاَّ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَمُوتُ لِيَخْلُدَ فِي النَّارِ وَالعَذَابِ، وَلَهُ بْعَدَ هَذِهِ الحَالَةِ عَذَابٌ آخَرَ شَدِيدٌ غَلِيظٌ أَدْهَى مِنَ الذِي قَبْلَهُ وَأَمَرُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>