للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلى جَانِبِ أُولَئِكَ المُهْتَمِّينَ بِأَمْرِ الدُّنْيا فَقَطْ، آخَرُون يَهْتَمُونَ بِأَمْرِ الآخِرَةِ إِلى جَانِبِ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ الدُّنيا فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيا حَسَنَةً (وَتَشْمَلُ كُلَّ مَطْلَبٍ دَنْيَويِّ) وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً (وَتَشْمَلُ دُخُولَ الجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ)، وَهَذا يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيا: مِنِ اجِتِنَابِ المَحَارِمِ وَالآثَامِ، وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ.

وَهؤلاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مَضْمُونٌ مِمَّا كَسَبُوهُ بِالطَّلَبِ وَالرُّكُونِ إِلَى اللهِ، لا يُبْطِئُ عَلَيْهِمْ، فَاللهُ تَعَالَى سَرِيعُ الحِسَابِ، وَهُوَ يَجْزِي كُلاً بِمَا يَسْتَحِقُّهُ.

(٧٤) أبو لهب وزوجه:

قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)} [سورة المسد]

(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}. صعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي). قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب}.

وَمَعْنَى الآيَةِ: الخُسْرَانُ وَالهَلاَكُ وَالتَّبَاتُ لأَبِي لَهَبٍ (وَأَبُو لَهَبٍ عَمُّ الرَّسُولِ)، وَقَدْ نَسَبَ تَعَالَى الخُسْرَانَ وَالتَّبَابَ لِيَدَي أَبِي لَهَبٍ لأَنَّهُمَا أَدَاةُ العَمَلِ وَالبَطْشِ، وَقَدْ تَبَّ وَهََلَكَ. (فَالجُمْلَةُ الأُولى دُعَاءٌ، وَالجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِخْبَارٌ بِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَأَنَّ أَبَا لَهَبٍ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>