• لله درُّ أقوامٍ تدرعوا بالوقار والسكينة، وعملوا ليومٍ فيه كلُ نفسٍ بما كسبت رهينة، كلُ واحدٌ منهم صدره مشروح، وقلبه مجروح، وجسمه بين يدي ربه مطروح، فلو رأيتهم بين ساجدٍ وراكع، وذليلٍ مخمومٍ متواضع، ومُنَكَّسِ الطرفِ من الخوفِ خاشع، تتجافى جنوبهم عن المضاجع.
{تنبيه}:• (طغى حبّ الدنيا على قلوبِ بعضِ النّاس واستهوتهم خضرتها، يصرف لها همّه، يحرّك فيها همَّته، عبدوها من دون الله، آثروها على ... الآخرة، وتناسوا قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعِس عبدُ الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تعس عبد الدينار، و عبد الدرهم، و عبد الخميصة،، إن أُعطِيَ؛ رضي، وإن لم يُعط، سخط، تعس وأنتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٌ رأسُه، مغبَّرةٌ قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة، إن أستأذن، لم يؤذن له، وأن شفع، لم يشفع "
(وتسربَل آخرون بالفَقر والمسكَنة والذلَّة وهجر الطيّبات، يرغبون في الأجور والزّوايا بزعم التفرّغ للعبادة وإيثار عملِ الآخرة، ويصابون بعد ذلك بداءِ الكَسَل والإخلاد إلى الرّاحة وداء الطمَع بعطاءات النّاس ومِنحهم وما يبذلونه لهم من مآكلَ ومشارب، تركوا عمارةَ الأرض وأردفوا بها ... ، ويصوغونها ويصوغها صنّاع الضلال.
إنّ فقدَ التوازنِ بين أمورِ الدنيا والدين أضعَف الأمّةَ وقعَد بها عن أداءِ دورها في قيادة الأمَم.
الإسلام ـ عبادَ الله ـ لا يحرّم الطيباتِ ولا يذمّ المنافعَ والمآكل والمشارب والأموال، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ [الأعراف:٣٢].
ولا يُفهم ممّا سبق تركُ السعي في عمران الدّنيا وبنائها الحضاريّ والانتفاع بخيراتها، بل المراد أن يأخذ المرء من الدّنيا ضمنَ الحدود التي أذن الله بها، وأن لا تكون متاعًا للهموم يَرفع متاعها فوق كلّ القِيَم، تُفقِدْ الإنسانَ وعيَه، تفسِد عليه دينَه وأخلاقه.
الدّنيا التي يذمّها الإسلامُ دنيا الشهواتِ والملهِيات، دنيا تضييعِ الحقوق والواجبات والتّساهل بالمحرَّمات، الدنيا التي تشغل عن الله وتلهي عن الآخرة، أراد الله أن تكونَ الدّنيا مُلكًا لنا، فجاء صغار الهِمم وأبَوا إلاّ أن يكونوا مُلكًا لها.