للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسنة في الدّنيا تشمَل كلَّ مطلوبٍ دنيويّ من عافية ودارٍ رحبة ورزق واسع وعلمٍ نافع وعمل صالح ومركَب هجِل وثناءٍ جميل، والحسنة في الآخرة أعلاها دخولُ الجنّة وتوابعُه من الأمنِ من الفزع الأكبر وتيسير الحساب.

والصّحابة هم القدوة والنموذجُ في فهم الإسلام، يأخذون بالأسبابِ في الكسب من تجارةٍ وزراعة، ويطلبون العلمَ ويبذلون في سبيل ذلك أوقاتهم ونفوسَهم وأموالهم، فيهم الأغنياءُ دون بطر والفقراء مع التعفُّف، ومع هذا كانوا أبعدَ النّاس عن التهالك على الدنيا، فتَحوا البلدان، وأنشؤوا المدُن، وأقاموا الدّولَ، ونشروا الإسلام.

كان بعضُ كبار الصحابة من الأغنياء، ولم يَدْعُهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ترك المال وترك الاشتغالِ بالتّجارة، كما أنّ الدّنيا لم تكن تساوي جناحَ بعوضة في حياتهم.

[*] قال سفيان بن عيينة: "ليس من حبّ الدنيا أن تطلبَ منها ما يصلِحك.

[*] سعيد بن المسيّب: "لا خيرَ فيمن لا يطلب الدّنيا يقضي به دَينَه ويصون به عرضَه، وإن مات تركه ميراثًا لمن بعده.

الدّنيا في المفهوم الإسلاميّ وسيلة وذريعةٌ لتحصيل مقاصدِ الشريعة ومطيّة للآخرة، فإنّها إذا فسدت فربّما أدّى فسادُها إلى إيقاف الدّين، فلا شكّ أنّ الدين سيضعف إذا وصل حالُ أهلها إلى قلّةِ الرزق والقتل، فلا يُقبَل أن يقول مسلم: أنا أحفظ ديني وأدَع الدنيا يُعبَث بها ويُفسد فيها؛ لأنّ من صلحت حاله مع فساد الدّنيا واختلال أمورِها لم يعدم أن يتعدّى إليه فسادُها ويقدح فيه اختلالها؛ لأنّه منها يستمدّ، ومن فسَدت حاله مع صلاح الدّنيا وانتظام أمورِها لم يجِد لصلاحها لذّةً ولا لاستقامتها أثرًا؛ لأنّ الإنسانَ دنيا نفسِه، قال الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:٧٧].

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يحيى بن معاذ الرازي قال: الناس ثلاثة: فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الصالحين، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين.

<<  <  ج: ص:  >  >>