"تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يَضِلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ قوله تعالى:(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طه ١٢٣: ١٢٦]
- وإذا نظرنا في سير الصحابة ومن بعدهم من سلف هذه الأمة؛ نجدهم قد تلقوا هذا القرآن الكريم مدركين مدى الشرف الذي حباهم الله به، فأقبلوا عليه يحفظونه ويرتلونه آناء وأطراف النهار، جعلوه غذاء أرواحهم وقوت قلوبهم وقرة أعينهم، نفذوا أحكامه وأقاموا حدوده وطبقوا شرائعه، طهرت به نفوسهم وصلحت به أحوالهم، ودعوا الناس إليه ورغبوهم فيه.
[*] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال في القرآن الكريم:
لا تهذوا القرآن هذا لشعر ولا تنثروه نثر الدقل - أي التمر الرديء وفي رواية الرمل - قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
[*] قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل.
[*] قال الحسن البصري: والله! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل. قال تعالى:{أفلا يتدبرون القرآن ... } النساء: ٨٢.
[*] وقال الحسن أيضاً: نزل القرآن ليُتَدَبَّر ويعمل به؛ فاتخذوا تلاوته عملاً. أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به.
[*] قال ابن كثير: (يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن)، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب. قال تعالى:{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} ...