(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين): أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم أن يُصيبكم ما أصابهم؛ إلا أن تكونوا باكين، ثم قنّع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه، وأسرع المشيَ حتى أجاز الوادي.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
(لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم): وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وأن كان السبب ورد فيهم.
(إلا أن تكونوا باكين):
(أن يُصيبكم ما أصابهم) لئلا يصيبكم ما أصابهم.
وقد ترجم النووي لهذا الحديث بقوله: باب ندب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم أي محل نزول العذاب عليهم: أي طلب الخوف قلباً وظهور آثاره على ظاهر البدن بالبكاء والخضوع ونحوه كما قاله المصنف (وإظهار الافتقار) أي المبالغة في الفقر (إلى اللّه تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك) أي التحذير من الغفلة عما ذكر. " رياض الصالحين " ص٣٧٣.
[*] قال ابن علان الصديقى في دليل الفالحين:
(إلا أن تكونوا باكين) استثناء من أعم الأحوال: أي لا تدخلوا على أي حال إلا حال بكائكم، وليس المراد الاقتصار عليه حال الدخول بل استمرار ذلك مطلوب عند كل جزء من أجزاء الدخول والمرور بهم، رجاء أنه لم ينزل فيه البتة» لأنها مواقع سخط ومنازل بلاء
(أن يُصيبكم ما أصابهم) بالرفع على أن لا نافية: أي لئلا يصيبكم أي مثل ما أصابهم من العذاب. ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو نهي بمعنى الخبر، وللبخاري في أبواب الأنبياء «أن يصيبكم» قلت: وهو كذلك في تفسير سورة الحجر منه: أي خشية أن يصيبكم، كذا قدر البصريون مثله، وقدره الكوفيون لئلا يصيبكم فحذف الجار، ووجه هذه الخشية أن البكاء في الأول أرجح لما يأتي ببعثه التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكير في أحوال توجب البكاء من تقدير اللّه تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، فمن مرّ عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بحالهم فقد شابههم في الإهمال ودلّ على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى العمل بمثل عملهم فيصيبه ما أصابهم، ولهذا يندفع اعتراض من قال: كيف يصيب عذاب الظالم من ليس بظالم؟ لأنه بهذا التقدير لا يأمن أن يصير ظالماً فيعذب بظلمه اهـ. ملخصاً من «فتح الباري»(متفق عليه).