هذا عن محقرات الذنوب، ناهيك عن ما يرتكبه البعض من كبائر وموبقات من ربا وزنا ورشوة وعقوق ونحو ذلك .. وإن المرء ليعجب والله أشد العجب! ألم يمل أولئك هذه الحياة؟ ألم يسألوا أنفسهم؟ ثم ماذا في النهاية؟ ماذا بعد كل هذه الشهوات والملذات؟ ماذا بعد هذا اللهو والعبث؟ ماذا بعد هذه الحياة التافهة المملوءة بالمعاصي والمخالفات؟ هل غفل أولئك عما وراء ذلك .. هل غفلوا عن الموت والحساب والقبر والصراط، والنار والعذاب، أهوال وأهوال وأمور تشيب منها مفارق الولدان، ذهبت اللذات وبقيت التبعات، وانقضت الشهوات وأورثت الحسرات، متاع قليل ثم عذاب أليم وصراخ وعويل في دركات الجحيم، فهل من عاقل يعتبر ويتدبر ويعمل لما خلق له ويستعد لما أمامه، أما اعتبرت بمن رحل أما وعظتك العبر أما كان لك سمعٌ ولا بصر.
تا الله لو عاش الفتى في عمره ... ألفاً من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل نعيم ... متنعماً فيها بنعمى عصره
ما كان ذلك كله في أن يفي ... بمبيت أول ليلة في قبره
إن مثل هؤلاء المساكين الغافلين السادرين في غيّهم قد أغلقت الحضارات الحديثة أعينهم وألهتهم الحياة الدنيا عن حقائقهم ومآلهم، ولكنهم سوف يندمون أشد الندم إذا استمروا في غيهم ولهوهم وعنادهم ولم يفيقوا من غفلتهم وسباتهم ويتوبوا إلى ربهم. يقول تعالى عن مثل هؤلاء: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:٣].
أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتمون إلا بالطعام والشراب واللباس والشهوات!؟. ألم يأن لكل مسلم أن يعلم حقيقة الحياة والغاية التي من أجلها خلق؟
أما والله لو علم الأنام ... لما خلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته ... عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
ممات ثم قبر ثم حشر ... وتوبيخ وأهوال عظام
مسألة: ما هو التفسير الشرعي للغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى؟
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
الغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى غشي على القلب وران عليه، فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب مراعاة الحق إليه: خذ مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال تعالى: (فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات ١٤٣: ١٤٤]
وقال (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) [الكهف: ٨٢] وكما في الحديث الآتي: