أعلام الصدق لهم شاهرة، وبواطنهم بمشاهدة الحق عامرة، وَحُقَّ لمن أعرض عن الدنيا وغرورها، وأقبل على العقبى وحبورها، فعزفت نفسه عن الزائل الواهي، ونابذ الزخارف والملاهي، وشاهد صنع الواحد الباقي، واستروح روائح المقبل الآتي. من دوام الآخرة ونضرتها، وخلود المجاورة وبهجتها، وحضور الزيارة وزهرتها، ومعاينة المعبود ولذتها، أن يكون بما اختار له المعبود راضياً، وعما اقتطعه منه سالياً، ولما ندبه إليه ساعياً، ولخواطر قلبه راعياً، ليصير في جملة المطهرين، ويقرب مما خص به الأبرار من المقربين، فيغتنم ساعاته، عن مخالطة المخلطين، ويصون أوقاته، عن مسالمة المبطلين، ويجتهد في معاملة رب العالمين، مقتدياً في جميع أحواله بسيد المرسلين.
• لله در أقوامٍ صفوا من الأكدار، ونقوا من الأغيار، وعصموا من حظوظ النفوس والأبشار، وأثبتوا في جملة المصطنع لهم من الأبرار، فأنزلوا في رياض النعيم، وسقوا من خالص التسنيم.
قومٌ ألبسوا الأنوار. فاستطابوا الأذكار، واستراحت لهم الأعضاء والأطوار، واستنارت منهم البواطن والأسرار بما قدح فيها المعبود من الرضا والأخبار. فأعرضوا عن المشغوفين بما غرهم، ولهوا، عن الجامعين لما ضرهم من الحطام الزائل البائد، ومسالمة العدو الحاسد، معتصمين بما حماهم به الواقي الذائد، لم يعدلوا إلى أحد سواه، و لم يعولوا إلا على محبته ورضاه. رغبت الملائكة في زيارتهم وخلتهم، وأمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبر على محادثتهم ومجالستهم.
• لله در أقوامٍ بحقوق ربهم عارفون وعلى العلم والعبادة عاكفون، وعن التمتع بالدنيا عازفون، وإلى الإقبال على الآخرة مرابطون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، حوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصاراً تعقب راحة طويلة، أما الليل فمصافة أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى ربهم ربنا ربنا، وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو خولطوا وقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم.
• لله در أقوامٍ تصوروا مآلهم واستقلوا أعمالهم، (كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * َفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ) عساهم أن ينجو من نار السموم، تعبوا والله قليلاً واستراحوا كثيراً، والمسكين من لم يجد إلى لحاقهم سبيلاً، والمغبون من رَضِيَ بحظه العاجلِ بديلا.