* أبدانهم دنيوية، وقلوبهم سماوية، قد احتوت قلوبهم من المعرفة كأنهم يعبدونه مع الملائكة بين تلك الفرج وأطباق السموات، لم يخبتوا في ربيع الباطل، ولم يرتعوا في مصيف الآثام، ونزهوا الله أن يراهم يثبون على حبائل مكره، هيبة منهم له وإجلالا أن يراهم يبيعون أخلاقهم بشيء لا يدوم، وبلذة من العيش مزهودة، هم أهل المعرفة بالأدواء والنظر في منابت الدواء، هم أهل الورع والبصر، إن أتاهم عليل داووه، أو مريض أدنوه، أو ناس لنعمةِ الله ذكَّروه، أو مبارز لله بالمعاصي نابذوه أو محب لله فواصلوه، ليسوا جبارين، ولا متكبرين، وليس عليهم صفات المترفين، إذا خلوا أجهشوا بالبكاء وإذا عوملوا فإخوان حياء، وإذا كلموا فحكماء، وإذا سئلوا فعلماء، وإذا جهل عليهم فحلماء فلو قد رأيتهم لقلت عذارى في الخدور، وقد تحركت لهم المحبة في الصدور بحسن تلك الصور التي قد علاها النور، إذا كشفت عن القلوب رأيت قلوباً لينة منكسرة، لا يشغلون قلوبهم بغيره، ولا يميلون إلى ما دونه، قد ملأت محبة الله صدورهم، فليس يجدون لكلام المخلوقين شهوة، ولا بغير الأنيس ومحادثة الله لذة، إخوان صدق، وأصحاب حياء ووفاء وتقى وورع وإيمان ومعرفة ودين، قطعوا الأودية، بغير مفاوز، واستقلوا الوفاء بالصبر على لزوم الحق، واستعانوا بالحق على الباطل، فأوضح لهم على الحُجْة، ودلهم على المَحَجَة، فرفضوا طريق المهالك، وسلكوا خير المسالك، أولئك هم الأوتاد الذين بهم توهب المواهب، وبهم تفتح الأبواب، وبهم ينشأ السحاب، وبهم يستقي العباد والبلاد، فرحمة الله علينا وعليهم.
• لله در أقوامٍ صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، ونصبوا أقدامهم في خدمة الملك الديان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب، خافوا البيات فأسرعوا، ورجوا النجاة فأزمعوا، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم رأيت قوماً ذبلا شفاههم، خَمْصاً بطونهم، حزينةً قلوبهم، ناحلةً أجسامهم، باكيةً أعينهم، لم يصحبوا العلل والتسويف، وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف لبسوا من اللباس أطماراً بالية، وسكنوا من البلاد قفاراً خالية، هربوا من الأوطان واستبدلوا الوحدة من الإخوان، فلو رأيتهم لرأيت قوماً قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر، وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب، خمص لطول السرى شعث لفقد الكرا، قد وصوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والإرتحال.