أن الإسلام رفض الإفراط في كمية العبادات الشرعية التي جاء آمراً بنوعها أمر وجوب أو استحباب، إذا أُخرجت عن حد المألوف المستطاع، ومن النصوص الدالة على ذلك ما يلي:
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال: دخل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال ما هذا؟ قالوا هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت تعلقت، قال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد.
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذاصلى أحدكم وهو ناعسٌ فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يستغفر فيسب نفسه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع.
• الشاهد من هذه النصوص:
إذا كان هذا النهي عن أمر مشروع، فما الحال بأمر مباح ـ لم يأمر الشارع بنوعه ـ، يُزاد في كميته زيادة مفرطة، تسبب ضياع المأمور به، وتجحف بالتوازن بين جوانب الإنسان المختلفة، وتغير هيكل النظام الاجتماعي الإسلامي، وتحقق مكائد ومخططات أعداء الأمة الساعين إلى إلهائها وتقويض بنيانها؟!.
(٣) الجد هو الأصل والترويح فرع:
سبق ذِكْرُ أن النشاط الترويحي في التصور الإسلامي ما هو إلا حالة علاجية، لحصول الاختلال في إعطاء كل جانب من جوانب الكائن البشري ما يستحقه من النشاط والقوة، ليعود الإنسان بكافة جوانبه لمواصلة السير في طريقه إلى الله عز وجل بجد ونشاط ومثابرة، فإذا حصل تعارض بين الجد والترويح قدمنا الجد (الأصل) على الترويح (الفرع) لأن هذا هو الذي دلت عليه السنة الصحيحة كما في الأحاديث الآتية.
(حديث أبي برزة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.
[*] • قال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لهذا الحديث: قوله: وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن وقتها المختار.
والقارئ الكريم يلاحظ أن الشارع لم يكره الترويح المتمثل في النوم لراحة البدن أو السمر لكونه سيؤدي إلى تضييع الواجب يقيناً، بل لاحتمال أن يكون ذريعة إلى الوقوع في ذلك.