للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر ويميز بين مواقع المنن والمحن والحجج والنعم فما أكثر ما يلتبس ذلك على خواص الناس وأرباب السلوك ٢:٢١٣ {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ٢١٣].

الركن الثاني من أركان المحاسبة:

وهي أن تميز ما للحق عليك من وجوب العبودية والتزام الطاعة واجتناب المعصية وبين ما لك وما عليك فالذي لك: هو المباح الشرعي فعليك حق ولك حق فأد ما عليك يؤتك ما لك.

ولا بد من التمييز بين ما لك وما عليك وإعطاء كل ذي حق حقه.

وكثير من الناس يجعله كثيرا مما عليه من الحق من قسم ماله فيتحير بين فعله وتركه وإن فعله رأى أنه فضل قام به لاحق أداه.

وبإزاء هؤلاء من يرى كثيرا مما له فعله وتركه من قسم ما عليه فعله أو تركه فيتعبد بترك ما له فعله كترك كثير من المباحات ويظن ذلك حقا عليه أو يتعبد بفعل ما له تركه ويظن ذلك حقا عليه.

مثال الأول: من يتعبد بترك النكاح أو ترك أكل اللحم أو الفاكهة مثلا أو الطيبات من المطاعم والملابس ويرى لجهله أن ذلك مما عليه فيوجب على نفسه تركه أو يرى تركه من أفضل القرب وأجل الطاعات وقد أنكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من زعم ذلك ففي الصحيح "أن نفرا من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألوا عن عبادته في السر؟ فكأنهم تقالوها فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم وقال الآخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال الآخر أما أنا فلا أنام على فراش فبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالتهم فخطب وقال: ما بال أقوام يقول أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم ويقول الآخر أما أنا فلا أتزوج ويقول الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش؟ لكني أتزوج النساء وآكل اللحم وأنام وأقوم وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتي فليس مني" فتبرأ ممن رغب عن سنته وتعبد لله بترك ما أباحه لعباده من الطيبات رغبة عنه واعتقادا أن الرغبة عنه وهجره عبادة فهذا لم يميز بين ما عليه وما له.

ومثال الثاني: من يتعبد بالعبادات البدعية التي يظنها جالبة للحال والكشف والتصرف ولهذه الأمور لوازم لا تحصل بدونها البتة فيتعبد بالتزام تلك اللوازم فعلا وتركا ويراها حقا عليه وهي حق له وله تركها كفعل الرياضات والأوضاع التي رسمها كثير من السالكين بأذواقهم ومواجيدهم واصطلاحاتهم من غير تمييز بين ما فيها من حظ العبد والحق الذي عليه فهذا لون وهذا لون.

(ومن أركان المحاسبة: ما ذكره صاحب المنازل فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>