للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أوَمَا علمت أن مرض القلوب من الذنوب، وأصل العافية أن تتوب، وتقلع عن الإثم والحوب، وترجع إلى علام الغيوب.

(حاجتنا إلى التوبة على الدوام:

إن التوبة وظيفة العمر، وبداية العبد ونهايته، وأول منازل العبودية، وأوسطها، وآخرها، وحاجتنا إلى التوبة حاجةً ماسَّة، بل إن ضرورتنا إليها مُلِحَّة؛ فنحن نذنب كثيراً، ونفرط في جنب الله ليلاً ونهاراً؛ فنحتاج إلى ما يصقل القلوب، وينقيها من رين الذنوب، ثم إن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون؛ فالعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.

وإن من أعظم نعم الله عز وجل أن فتح باب التوبة، وجعله فجراً تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة، ودموع منسكبة، وجباه خاضعة.

يقول الله جل وعلا: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:٤٩] ويقول الله عز وجل: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:٢٢٢] ويقول تعالى حاثاً على التوبة والرجوع والأوبة: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:٣١]

فباب التوبة مفتوح للكفار، والمشركين، والمرتدين، والمنافقين، والظالمين، والعصاة، والمقصرين.

وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أبي موسى رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

هذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(إن اللّه تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه

(ليتوب مسيء النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة

<<  <  ج: ص:  >  >>