للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى بعد إيراده عدداً من الأدوية النافعة لداء العشق: فإن قال قائل: فما تقول فيمن صبر عن حبيبه، وبالغ في استعمال الصبر، غير أن خيال الحبيب في القلب لا يزول، ووسواس النفس به لا ينقطع؟.

فالجواب: أنه إذا كففت جوارحك فقد قطعت موادَّ الماء الجاري، وسنيضب ما حصل في الوادي مع الزمان، خصوصاً إذا طلعت عليه شمسُ صيف الخوف، ومرت به سَمُومُ المراقبة لمن يرى الباطن فما أعجل ذهابه.

ثم استغث بمن صَبَرْتَ لأجله، وقل: إلهي! فعلتُ ما أطقتُ؛ فاحفظ لي ما لا طاقة لي بحفظه (١).

[*] (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض حديث له عن العشق، وعلاجه: وميلُ النفس إلى النساء عام في طبع جميع بني آدم، وقد يبتلى كثير منهم بالميل إلى الذكران كالمردان، وإن لم يكن بفعل الفاحشة الكبرى كان بما هو دون ذلك من المباشرة، وإن لم تكن كان بالنظر، ويحصل للنفس بذلك ما هو معروف عند الناس.

وقد ذكر الناس من أخبار العشاق ما يطول وصفه؛ فإذا ابتلي المسلم ببعض ذلك كان عليه أن يجاهد نفسه في طاعة الله_تعالى_وهو مأمور بهذا الجهاد، وليس هو أمراً حرَّمه على نفسه؛ فيكون في طاعة نفسه وهواه.

بل هو أمر حرَّمه الله ورسوله، ولا حيلة فيه؛ فتكون المجاهدة للنفس في طاعة الله ورسوله (٢).

وقال في موضع آخر: وليتخذ ورداً من الأذكار في النهار، ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف؛ فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه.

وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس، باطنة وظاهرة؛ فإنها عمود الدين.

وليكن هِجِّيراه لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها بها تحمل الأثقال، وتكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال (٣).

وقال: فأما إذا ابتلي بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقوى الله.

وقد روي في الحديث أن =من عشق فعف، وكتم، وصبر، ثم مات كان شهيداً (٤).

وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه نظر، ولا يحتج بهذا.

لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظراً، وقولاً، وعملاً، وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم: إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق.


(١) ذم الهوى ص ٤٩٦.
(٢) مجموع الفتاوى ١٤/ ٢٠٧.
(٣) مجموع الفتاوى ١٠/ ١٣٧.
(٤) مضى تخريج الحديث، ص ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>