[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يحيى بن معاذ قال: اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أمور الطاعة لرجل أبداً وفيه للطمع بقية، فإن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من قلبكم هذه الخصلة الواحدة وكونوا رحمكم الله من أبناء الآخرة وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله. واعلموا أن ترك الدنيا هو الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه، فإن ذبحتم بتركها نفوسكم أحييتموها، وإن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها، فارفضوها من قلوبكم تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة، وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة، وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون. عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقي الشهوة منها أجسامكم في دبار عاقبتها، واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ودعاكم إليها فأسرع الناس إليها أتركهم لدنياه، وأوجدهم لذة لطعم تلك الوليمة أشدهم تجويعاً لنفسه ومخالفة لها فإنه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد، وسأظهر لكم هذا الأمر، فإني وجدت أمر الإنسان أمراً عجيباً، قد كلف الطاعة على خلاف ما كلف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه وليكن العمل منك فيه على حساب الحاجة منك إليه، واستعن بالله فنعم المعين، واعلم أنك لم تسكن الدنيا لتتنعم فيها جاهلاً وعن الآخرة غافلاً، ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها غافلاً وتمتطي الأيام إلى ربك عاملاً، فإنك بين دنيا وآخرة ولكل واحدة منهما نعيم، وفي وجود احداهما بطول الأخرى، فانظر أن تحسن طلب النعيم، فقد حكى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: غلط الملوك، طلبوا النعيم فلم يحسنوا. وعلى حسب اقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله، وعلى حسب بعد قلبك من الدنيا يكون قربك من الله، وكما كان معدوماً وجود نفسك في مكانين فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين، فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة، وإن كنت ذا قلب واحد فاجعله لأولى الدارين بالنعيم والمقام والبقاء والإنعام.