للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] وأَخرج أبو نعيم أَيضاً عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة الكِناني على معاوية فقال له: صِفْ لي علياً، فقال: أَوَ تُعْفيني يا أمير المؤمنين؟ قال لا أُعفيك، قال: (أما إِذْ لا بدَّ؛ فإنَّه كان ـ والله ـ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فَصْلاً ويحكم عدلاً، يتفجَّرُ العلمُ من جوانبه، وتنطِق الحكمةُ من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنسُ بالليل وظلمته، كان ـ والله ـ غزير العَبْرة، طويل الفكرة، يقلِّبُ كفّه ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللباس ما قَصُر. ومن الطعام ما جَشُب، كان ـ والله ـ كأَحدنا يُدنينا إِذا أتيناه، ويُجيبنا إِذا سأَلناه، وكان مع تقرُّبِه إِلينا وقربهِ منا لا نكلمه هيبة له، فإِن تبسم فَعَنْ مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعَظِّمُ أَهل الدين، ويُحبُّ المساكين، لا يطمعُ القويُّ في باطله، ولا ييأَسُ الضعيف من عدله، فأَشْهدُ بالله لقد رأيتُه في بعض مواقفه ـ وقد أَرخى الليل سدوله وغارت نجومه ـ يميلُ في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأَني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا: يتضرع إِليه ثم يقول للدنيا: إِليَّ تَغَرَّرْتِ؟ إِليَّ تشوَّفتِ؟ هيهات هيهات، غُرِّي غيري، قد بتَتُّكَ ثلاثاً. فعمرُك قصيرٌ، ومجلسُك حقيرٌ، وخطرُك يسير، آه، آه، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشةِ الطريق) فَوَكَفَتْ دموع معاوية على لحيته يملكها وجعل ينشفها بكمه ـ وقد اختنق القوم بالبكاء ـ فقال: (كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وَجْدُك عليه يا ضرار)؟ قال: "وَجْد مَنْ ذُبح واحدها في حِجْرها، لا ترقأُ دمعتها، ولا يسكن حزنها) ثم قام فخرج. وأَخرجه أيضاً ابن عبد البر في الإستيعاب عن الحِرماني ـ رجل من همْدان ـ عن ضِرار الصُدَائي بمعناه.

[*] وأخرج أبو نُعيم عن قتادة قال: سُئل ابن عمر رضي الله عنهما هل كان أَصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحكون قال: (نعم والإِيمانُ في قلوبهم أعظمُ من الجبال) كذا في الحلية. وأَخرج هنَّاد عن سعيد بن عمر القرشي أنَّ عمر رضي الله عنه رأى رُفْقة من أهل اليمن رحالهم الأَدَمُ فقال: (من أحبَّ أن ينظر إلى شَبَهٍ كانوا بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلينظر إلى هؤلاء) كذا في كنز العمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>