للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجمع في هذا الحديث مقامات الدين كلها فأمر بالاستقامة وهي السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال وأخبر في حديث ثوبان: أنهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة وهي أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم كالذي يرمي إلى الغرض فإن لم يصبه يقاربه ومع هذا فأخبرهم: أن الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة فلا يركن أحد إلى عمله ولا يعجب به ولا يرى أن نجاته به بل إنما نجاته برحمة الله وعفوه وفضله

«فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين» وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات فالاستقامة فيها: «وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله»

قال بعض العارفين: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة وربك يطالبك بالاستقامة.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة.

(ثم تأمل في الحديث الآتي أيضاً بعين البصيرة:

(حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن المسلم المسدد يدرك درجة الصّوَّام القوَّام بآيات الله بحسن خلقه، وكرم ضريبته.

وكرم الضريبة: أي كرم الطباع .. وهذا يدل على أن الصيام والقيام وحدهما ليسا كافيين، بل أن حُسن الخلق أهم.

(فضل الاستقامة:

الاستقامة، وما أدراك ما الاستقامة، ثم ما أدراك ما الاستقامة، إنها أس الديانة، وسبيل السلامة، إذ هي أكبر كرامة في الدنيا، المفضية إلى الكرامة الأبدية وهي الجنة: "فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ".

[*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"، فلو مشى المرء على الماء، أوطار أوتربع في الهواء، ما دل ذلك على قبول الله له حتى يستقيم على أمر الله ونهيه، إذ هو الضابط الوحيد للكرامة.

حُكِي للإمام الشافعي رحمه الله ما قاله الليث بن سعد، فقيه مصر ومفتيها في زمانه: "لو رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تعتدوا به ولا تغتروا به حتى تعرضوه على كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فقال: "لقد قصَّر الليث، لو رأيتم الرجل يمشي على الماء، أويطير في الهواء، فلا تعتدوا به ولا تغتروا به حتى تعرضوه على كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الشيطان يطير من المشرق إلى المغرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>