ثم من تمام رحمته أنه لما ضاق الرحم عن الصبي لما كبر كيف هداه السبيل حتى تنكّس و انقلب وتهيأ للخروج وتحرك وخرج من ذلك المضيق وطلب المنفذ كأنه عاقل بصير بما يحتاج إليه، ثم لما خرج واحتاج إلى الغذاء كيف هداه إلى التقام الثدي، ثملما كان بدنه سخيفاً لا يحتمل الأغذية الكثيفة كيف دبر له في اللبن اللطيف المستخرج بين الفرث والدم شيئاً سائغا خالصاً، وكيف خلق الثديين وجعل فيهما اللبن و أنبت منهما حلمتين على قدر ما ينطبق عليهما فم الصبي .. قدر الحلمة على قدر فتحة الفم في الصبي ثم فتح في حلمة الثدي ثقباً ضيقاً جداً حتى لا يخرج اللبن منه إلا بعد المص تدريجاً فإن الطفل لا يطيق منه إلا القليل ثم كيف هداه إلى الامتصاص حتى يستخرج من ذلك المضيق اللبن الكثير عند شدة الجوع، ثم انظر إلى عطفه ورحمته ورأفته كيف أخّر خلق الأسنان إلى تمام الحولين، لأنه في الحولين لا يتغذى إلا باللبن فيستغني عن السن وإذا كبر لم يوافقه اللبن السخيف، و يحتاج إلى طعام غليظ ويحتاج الطعام إلى المضغ والطحن فأنبت له الأسنان في وقت الحاجة .. فسبحانه كيف أخرج تلك العظام الصلبة في تلك اللثاة اللينة ثم حنن قلوب الوالدين عليها للقيام بتدبيره في الوقت الذي كان عاجزاً عن تدبير نفسه .. ، فلو لم يسلط الله الرحمة على قلوبهما لكان الطفل أعجز الخلق عن تدبير نفسه، ثم انظر كيف رزقه القدرة والتمييز والعقل والهداية تدريجاً .. حتى يتكامل فيصير مراهقاً ثم شاباً ثم شيخاً إما شاكراً أو كفوراً.