للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال يحيى بن أبي كثير خلق الله ألف أمة فأسكن ستمائة في البحر وأربعمائة في البر واعجبا لك لو رأيت خطأ مستحسن الرقم لأدركك الدهش من حكمة الكاتب وأنت ترى رقوم القدرة ولا تعرف الصانع فإن لم تعرفه بتلك الصنعة فتعجب كيف أعمى بصيرتك مع رؤية بصرك.

(فضل التفكر:

الحمد لله الذي ارتفع فوق العالمين ذاتاً وقدراً .. وتمجد فوق خلقه وعلاهم عزة وقهراً .. وأمر بإعمال التدبر في آياته ومخلوقاته قلباً وفكراً فصارت قلوب الطالبين في بيداء كبريائه حيرى .. كلما اهتزت لنيل مطلوبها ردتها سُبحات الجلال قسراً .. وإذا همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال صبراً صبراً .. ثم قيل لها أجيلي في ذل العبودية منك فكراً .. وإن طلبتِ وراء الفكر في صفاتكِ أمراً .. فانظري في نعم الله تعالى وأياديه كيف توالت عليكِ تترى .. وجددي لكل نعمة منها ذكراً وشكراً .. وتأملي في بحار المقادير كيف فاضت على العالمين خيراً وشراً ونفعاً وضراً وعسراً ويسراً وفوزاً وخسراً وجبراً وكسراً وطياً ونشراً وإيماناً وكفراً وعرفاناً ونكراً .. ، والحمد لله الذي جعل لنا فيما خلق تفكراً وأمراً عظيماً وأنعامه تتوالى علينا وتترى .. والصلاة على محمد سيد ولد ابن آدم وإن كان لم يعد سيادته فخراً .. صلاة تبقى لنا في عرصات القيامة عدة وذخراً .. وعلى آله وصحبه الذين أصبح كل واحد منهم في سماء الدين بدراً .. ولطوائف المسلمين صدراً .. وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد ..

فإن التفكر من أعمال القلوب العظيمة وهو مفتاح الأنوار ومبدأ الإبصار و شبكة العلوم والفهوم وأكثر الناس قد عرفوا فضله ولكن جهلوا حقيقته وثمرته وقليل منهم الذي يتفكر ويتدبر وقد أمر الله تعالى في التفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى و أثنى على المتفكرين قال تعالى: (الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [آل عمران: ١٩١]

<<  <  ج: ص:  >  >>