فيبتليهم بأنواع البلاء حتى يمحصهم من الذنوب، ويفرغ قلبوهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم، فالله يغار ومن صفاته الغيرة، يغار أن يشتغل العبد الذي يحبه بغيره فلا يريد أن يشتغل بالدنيا فيبتليه ويتلذذ العبد بالبلاء ويصبر ولا يجد وقتاً وإمكاناً للاشتغال بالدنيا التي تصرفه عن الله فلا يقع العبد فيما يضره في الآخرة، ويبتليه بضنك من المعيشة أو كدر من الدنيا أو تسليط أهلها ليشهد صدقه معه في المجاهدة، قال تعالى:(وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّىَ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[محمد: ٣١]
وهذا الابتلاء على حسب قدر الإيمان ومحبة الله للعبد بنص السنة الصحيحة كما جاء في الحديث الآتي:
(حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء.
(٥) يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت بنص السنة الصحيحة كما جاء في الحديث الآتي:
(حديث أنس الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله إذا أحب عبداً استعمله، قالوا كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت.
(حديث أبي عنبة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله قيل: و ما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إذا أراد الله بعبد خيراً عسله) بفتح العين والسين المهملتين تشدّد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل ذكره الزمخشري