للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهم على مطالعة جلال اللّه وصفاته فيحصل له من آثار ذلك ما تقر به عينه (تنبيه) سئل ابن عطاء اللّه هل هذا خاص بنبينا صلى اللّه عليه وسلم أم لغيره منه شرب فقال: قرة العين بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود وليس معرفة كمعرفته فلا قرة عين كقرته انتهى ومحصوله أنه ليس من خصائصه صلى اللّه عليه وسلم لكنه أعطي في هذا المقام أعلاه وبذلك صرح الحكيم الترمذي فقال: إن الصلاة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم فلمحمد صلى اللّه عليه وسلم من ربه تعالى بحر ولما سواه أنهار وأودية فكل إنما ينال من الصلاة [ص ٣٤٩] من مقامه فالأنبياء ثم خلفاؤهم الأولياء ينالون من الصلاة مقاماً عالياً وليس للعباد والزهاد والمتقين فيه إلا مقام الصدق ومجاهدة الوسوسة ومن بعدهم من عامة المسلمين لهم مقام التوحيد في الصلاة والوساوس معهم بلا مجاهدة والأنبياء وأعاظم الأولياء في مفاوز الملكوت وليس للشيطان أن يدخل تلك المفاوز وما وراء المفاوز حجب وبساتين شغلت القلوب بما فيها عن أن يخطر ببالهم ما وراءها، أهـ.

فقرة العين كما قال ابن القيم فوق المحبة، فجعل النساء والطيب مما يحبه، وأخبر أن قرة العين التي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره و بهجته إنما هو بالصلاة التي هي صلة بالله وحضور بين يديه ومناجاة له واقتراب منه فكيف لا تكون قرة العين؟ وكيف تقر عين المحب بسواها؟ ومن قرة عينه بصلاته في الدنيا؛ قرة عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة وقرة عينه به أيضاً في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، فقرة عين المحب ولذته ونعيم روحه في طاعة محبوبه بخلاف المطيع كرهاً، المتحمل للخدمة ثقلاً، الذي يرى أنه لولا ذل القهر ما أطاع فهو يتحمل طاعته كالمكره الذي أذله مكرِهه وقاهره بخلاف المحب الذي يعد طاعة محبوبه قوتاً ونعيماً ولذة وسروراً فهذا ليس الحامل له على الطاعة والعبادة والعمل ذل الإكراه، بل تكون دواعي قلبه وجواذبه منساقة إلى الله طوعاً ومحبة وإيثاراً كجريان الماء في منحدره، يتم تلقائياً بكل يسر وسهولة، وهذا حال المحبين الصادقين فإن عبادتهم طوعاً ومحبة ورضا ففيها قرة عيونهم وسرور قلوبهم ولذة أرواحهم.

(فالحاصل: أن العبد إذا أحب ربه عمل له بيسر وسهولة منقاداً طائعاً مستلذاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>