للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) أن يكون صابراً على المكاره، والصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين، وهم أحوج إلى منزلة الصبر من كل منزلة، فإن قيل كيف تكون حاجة المحب إليه ضرورية مع منافاته لكمال المحبة، فإنه لا يكون إلا مع منازعات النفس النفس لمراد المحبوب؟ قيل: هذه هي النكتة ولب الموضوع والقصد والفائدة التي لأجلها كان الصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وأعلقها به وبه يعلم صحيح المحبة من معدومها وصادقها من كاذبها فإنه بقوة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يعلم صحة المحبة ومن هنا كانت محبة أكثر الناس كاذبة لأنهم كلهم ادعوا محبة الله تعالى فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن الحقيقة ولم يثبت إلا الصابرون، فلولا تحمل المشاق وتجشّم المكاره بالصبر ماثبتت صحة الدعوة وقد تبين أن أعظم الناس محبة لله أشدهم صبراً وهذا ماوصف الله به أولياءه وخاصة فقال عن عبده أيوب لما ابتلاه {ِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} فهذه العلاقة بين الصبر والمحبة {نّعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ}، وأمر أحب الخلق إليه بالصبر لحكمه وأخبر أن الصبر لا يكون إلا لله، فيصبر لله و الصبر لا يكون إلا بالله، قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مّمّا يَمْكُرُونَ) [النحل: ١٢٧]

(٤) من العلامات أن لا يقدم العبد شيئاً على الله لا ولده ولا والده ولا الناس وتأمل في الأحايث الآتية بعين البصيرة:

(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.

(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

(حديث عمر في صحيح البخاري) أن عمر رضي الله عنه للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنك لأحب إلى من كل شيء إلا من نفسي. قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. قال: الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآن يا عمر "

<<  <  ج: ص:  >  >>