للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجاء يبعث العامل على الاجتهاد بالعبادة بل يولد عنده اللذة بالعبادة ولو كانت شاقة أو صعبة فيتلذذ بها ويترك المناهي، ومن عرف القدر المطلوب هان عليه ما يبذل فيه ومن رجا الأرباح العظيمة في سفره هانت عليه مشقة السفر، كذلك المحب الصادق الذي يسعى في مرضاة الرب تهون عليه مشقة صلاة الفجر والوضوء في البرد ومشقة الجهاد و مشقة الحج والعمرة وطلب العلم وتكرار الحفظ وانتصاب الجسم في الليل وجوع الصيام .. ، بل تنقلب إلى لذّة .. !!

فالدرجات العملية في التعبد لله: مشقة ومن ثم لذة،

[*] يقول أحد العلماء: " كابدت قيام الليل عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة"، فالمرء لا يصل أحياناً إلى لذة العبادة إلا بعد أن يذوق مشقتها، فإذا قوي تعلق الرجاء بالعوض سمحت الطباع بترك العادات وترك الراحة، فالإنسان مفطور أن لا يترك محبوباً إلا لمحبوب أعظم منه.

(الدرجة الثانية:

المجاهدون لأنفسهم بترك مألوفاتها واستبدال مألوفات هي خير منها فرجاؤهم أن يبلغوا مقصودهم بالهمة وهذا يلزم له العلم وهو الوقوع على الأحكام الدينية لأن رجاؤهم متعلق بحصول ذلك لهم ولابد من علم وبذل الجهد بالمعرفة والتعلّم وأخذ النفس بالوقوف عند الحدود طلباً وقصداً ..

(الدرجة الثالثة:

رجاء أرباب القلوب لقاء الخالق والاشتياق إليه سبحانه وتعالى وهذا الذي يمكن أن يزهّد الإنسان في الدنيا تماماً (أعلى الأنواع)، (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠]، (({مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: ٥]، هذا الرجاء (اللقيا) محض الإيمان وزبدته وإليه تشخص أبصار العابدين المجتهدين وهو الذي يسليهم ولذلك ضرب الله لهم أجل تسكن إليه نفوسهم ..

وتأمل في قول عمير بن حمام الأنصاري بعين البصيرة لما ذكر لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض) اشتاقت نفسه إلى لقيا الله فقال: (لئن عشت حتى آكل هذه التميرات إنها لحياة طويلة) فقاتل حتى قُتِل ولقي الله شهيداً ..

فلما علم الله شوق هذه الطائفة من عباده وهم الندرة والقلة وأن نفوسهم تضطرب حتى تلقها؛ ضرب لهم موعداً تسكن إليه نفوسهم وتعمل حتى تقدم إلى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>