للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يا أسير دنياه، يا عابداً لهواه، يا مَوْطِن الخطايا، ويا مِسْتَودِعَ الرزايا، اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفًا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك، فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه، فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران، وكلما رُمت التخلص من غيّك وعناك، صاح بك لسان الحال وناداك:

إليك عنا فما تحظى بنجوانا ... يا غادرًا قد لها عنا وقد خانا

أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا ... وجئت تبغي الرضا والوصل قد بانا

بأي وجه نراك اليوم تقصدنا ... وطال ما كنت في الأيام تنسانا

يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع ... إلا لمجتهد بالجدّ قد دانا

(كم عاهدته مرارًا فوجدك غدارًا، أراك ضعيف اليقين، يا مؤثر الدنيا على الدين.

(أيا كثير الشقاق، يا قليل الوفاق، يا مرير المذاق، يا قبيح الأخلاق، يا عظيم التواني قد سار الرفاق، يا شديد التمادي قد صعب اللحاق، إخلاصك معدم وما للنفاق نفاق، معاصيك في إدراك والعمر في إمحاق، وساعي الأجل مجد كأنه في سباق، لا الوعظ يزجرك ولا الموت ينذرك ما تطاق.

(يا من نسي العهد القديم وخان، من الذي سواك في صورة الإنسان، من الذي غذاك في أعجب مكان، من الذي بقدرته استقام الجثمان، الذي بحكمته أبصرت العينان، من الذي بصنعته سمعت الأذنان، من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان، من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان، مَنِ الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران، إلى كم تخالفه وما يصبر على الخلاف الأبوان، وتعامله بالغدر الذي لا يرضاه الإخوان، وتنفق في خِلافه ما عَزَّ وهان، ولو علم الناس منك ما يعلم: ما جالسوك في مكان، فارجع إليَّه ما دمت في زمن الإمكان، وتب إليه فإنه الرحيم الرحمن، عساه أن يعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان.

(يا مخدوعاً قد غُبِن، يا مفتوناً قد فُتِن، مَنْ لكَ إذا سُوِّيَ عليك اللَبِن.

(يا حليف النوم والوسادة، يا أسير الشهوات وقد نسي مَعَادَه، يا قليل الزاد مع قُربِ مماته، أما آن لك أن تفِيق من تلك الرُقَادة، لقد ربح القوم وأنت نائم، وَخِبْتَ ورجعوا بالغنائم، بالليل نائم وبالنهار هائم وتعيش عيش البهائم، ثم تدعي أنك فاهم وأنت لا شك واهم.

(يا مَنْ شاب وما تاب، أموقنٌ أنت أم مُرْتاب، مَنْ آمن بالسؤالِ فليُعدَّ له جواب، وللجواب صواب.

(يا مَنْ كلما طال عمره زاد ذنبه، يا مَنْ كلما ابيض شَعْرُه اسوَّدَ بالآثام قلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>