(وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) وفي رواية البيهقي بدله فإن في كثرة الضحك فساد لقلب وإذا فسد القلب فسد الجسد كله. (تنبيه) الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا وللقلب حياة وموت فحياته بدوام الطاعة وموته بإجابة غير اللّه من النفس والهوى والشيطان، بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة بنص الخبر أوحى اللّه إلى داود ومن عصاني فقد مات ومن أسباب موت [ص ٥٣] القلب الأشر والبطر والفرح وإذا مات لم يستجب له اللّه إذا دعاه. (تنبيه) المأمور بالكف عن كثرة الضحك إنما هو أمثالنا أما من ذاق مشرب القوم من الأحباب فليس مراداً بهذا الخطاب، قال بعض العارفين: جلس ذو النون للوعظ والناس حوله يبكون وشاب يضحك فزجره، فأنشأ يقول: كلهم يعبدون اللّه من خوف النار * ويرون النجاة حظا جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأي * أنا لا أبتغي بحبي بديلا فقيل له: فإن طردك فما تفعل؟ قال: فإذا لم أجد من الحب وصلا * رمت في النار منزلا ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي * بكرة في ضريعها وأصيلا معشر المشركين نوحوا عليّ * أنا عبد أحببت مولىً جليلا لم أكن في الذي ادّعيت صدوقاً * فجزائي منه العذاب الوبيلا وقال ابن عربي: خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها وجمالها كأنّ عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني أهـ.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن: فضيل بن عياض قال: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه، فاغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك، كيف ترى أن يكون حالك؟
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبي علي الرازي، قال: صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلا يوم مات ابنه علي فقلت له في ذلك فقال: إن الله عز وجل أحب أمراً فأحببت ما أحب الله.
(وفصل الخطاب في تعريف الورع: أن يدع الرجل ما لا بأس به حذراً مما به بأس.
[*] وقال بعضهم: " كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في الحرام".