والعاملون على أصناف: صنف عبدوه لذاته، وكونه مستحقّاً لذلك؛ فإنه مستحق لذلك، لو لم يخلق جنَّة ولا ناراً، فهذا معنى قول من قال:" ما عبدناك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنَّتك "، أي: بل عبدناك لاستحقاقك ذلك، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النار، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك، وهو جهل، فمَن لم يسأل الله الجنَّة والنجاة من النار: فهو مخالف للسنَّة؛ فإن مِن سنَّة النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، ولما قال ذلك القائل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إنه يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار "، وقال:" ما أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ ": قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حولها ندندن).
فهذا سيد الأولين والآخرين يقول هذه المقالة، فمن اعتقد خلاف ذلك: فهو جاهل، ختَّال.
ومِن آداب أهل السنَّة أربعة أشياء لا بد لهم منها: الاقتداء برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والافتقار إلى الله تعالى، والاستغاثة بالله، والصبر على ذلك إلى الممات.
كذا قال سهل بن عبد الله التستري، وهو كلامٌ حقٌّ.
" فتاوى السبكي "(٢/ ٥٦٠).
(وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
كل ما أعده الله لأوليائه: فهو مِن الجنَّة، والنظر إليه هو من الجنة، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النَّار، ولما سألَ بعضَ أصحابه عما يقول في صلاته، قال:" إني أسأل الله الجنَّة، وأعوذ بالله من النَّار، أما إني لا أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ "، فقال:(حولها ندندن).
" مجموع الفتاوى "(١٠/ ٢٤١).
(٦) من أراد أن يعبد الله تعالى بالمحبَّة وحدها دون الخوف والرجاء: فدينه في خطر، وهو مبتدع أشد الابتداع، وقد يصل به الحال أن يخرج من ملَّة الإسلام، وبعض كبار الزنادقة يقول: إننا نعبد الله محبة له، ولو كان مصيرنا الخلود في النار!!، ويعتقد بعضهم أنه بالمحبة فقط ينال رضا الله ورضوانه، وهو يشابه بذلك عقيدة اليهود والنصارى، حيث قال تعالى عنهم:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[المائدة/ ١٨].