للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: [إن كان في الحراسة، فهو في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة] المعنى أنه يُنكر ذاته فالأمر يستوي عنده سواء كان في المنزلة العليا كمرتبة الحراسة التي تكون في مقدمة الجيش أو في المنزلة الدنيا كالسقي ال ... ي يكون في مؤخرة الجيش فهو لا يحرص على مكانة دنيوية حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع.

قوله:" إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع ". أي: هو عند الناس ليس له جاه ولا شرف، حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له، وهكذا عند أهل السلطة ليس له مرتبه، فإن شفع لم يُشَفّع، ولكنه وجيه عند الله وله المنزلة العالية، لأنه يقاتل في سبيله.

والشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

والاستئذان: طلب الإذن بالشيء.

{تنبيه}: (ولا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لقول الله عز وجل:

{إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص: الآية ٨٣). وروى أن أحد الصالحين كان يقول لنفسه: " يانفس أخلصى تتخلصى ".

وكل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قلّ أم كثر، إذا تطرق إلى العمل، تكدربه صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط فى حظوظه، منغمس فى شهواته، قلما ينفك فعلٌ من أفعاله، وعبادةٌ من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس، فلذلك قيل: " من سلم له من عمره لحظةٌ واحدةٌ خالصةٌ لوجه الله نجا "، وذلك لعزة الإخلاص، وعُسْرِ تنقية القلب عن الشوائب، فالإخلاص: تنقية القلب من الشوائب كلها، قليلها وكثيرها، حتى يتجرد فيه قصدُ التقرب فلا يكون فيه باعثُ سواه، وهذا لا يتصور إلا من محب لله مستغرق الهم بالآخرة، بحيث لم يبق لحب الدنيا من قلبه قرارٌ، فمثل هذا لو أكل، أو شرب، أو قضى حاجته، كان خالص العمل، صحيح النية، ومن ليس كذلك فبابُ الإخلاص مسدودٌ عليه إلا على الندور.

وكما أن مَنْ غلب عليه حب الله، وحب الآخرة، فاكتسبت حركاتهُ الاعتيادية صفة همه، وصارت إخلاصاً، فالذى يغلب على نفسه الدنيا والعلو والرياسة، وبالجملة غير الله، اكتسبت جميع حركاته تلك الصفة، فلا تسلم له عبادةٌ من صومٍ، وصلاة وغير ذلك إلا نادراً.

فعلاج الإخلاص كسرُ حظوظ النفس، وقطعُ الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة، بحيث يغلب ذلك على القلب، فإذ ذاك يتيسر به الإخلاص، وكم من أعمل يتعب الإنسان فيها، ويظن أنها خالصةٌ لوجه الله، ويكون فيها من المغرورين، لأنه لم يَرَ وجهَ الآفة ِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>