للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارتجّت المدينة لوفاة أبي بكر الصديق، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول يوماً، أكثر باكياً، وباكية من ذلك المساء الحزين وأقبل علي بن أبي طالب مسرعاً، باكياً، مسترجعاً ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر فقال: رحمك الله يا أبا بكر .. كنت إلف رسول الله وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم يقيناً، وأشدهم لله يقيناً، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل، وأحوطهم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله هدياً وسمتاً، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم عنده، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن رسول الله وعن الإسلام أفضل الجزاء. صدقت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين كذبه الناس، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر، سماك الله في تنزيله، صديقاً فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (سورة الزمر، آية:٣٣). واسيته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة، ثاني اثنين صاحبه في الغار، والمُنَّزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسن الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر مالم يقم به خليفة نبي، ونهضت حين وهن أصحابه وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمت منهاج رسول الله إذ وهنوا، وكنت كما قال رسول الله ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله تعالى، متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله تعالى، جليلاً في أعين الناس كبيراً في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز، ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه القريب والبعيد عنك في ذاك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل، وأتقاهم ...

<<  <  ج: ص:  >  >>